ظل الجدل الدائر لسنوات طويلة في الأوساط الثقافية العربية، يراوح مكانه بين أزمة النشر كصناعة، وأزمة القراءة كثقافة، وأيهما أكثر تأثيراً على الآخر. بينما كانت الأزمة تتفاقم بعيداً عن ساحة الجدل، لتفرض نفسها على الواقع، الذي بات يقول إن هناك أزمة ورقية في عالم رقمي، وهي في حقيقتها أزمة صناعة، أما القراءة والثقافة فيمكن تداركها بطرق أخرى، لا تبدأ من أعلى، بل من أسفل، عبر ما يعرف بثقافة الطفل.
ولعل إعلان هيئة الكتاب والنشر والترجمة عن استضافة المملكة لمؤتمر عربي دولي للناشرين، خلال يومي الرابع والخامس من شهر أكتوبر المقبل، ضمن معرض الرياض الدولي للكتاب، يمثل خطوة جادة من أجل إعادة صياغة مستقبل صناعة النشر عربياً، بمشاركة دور النشر العربية الكبرى، وقيادات صناعة الكتاب، كما سيناقش المؤتمر الذي يقام لأول مرة بالمملكة، فرص الاستفادة من الثورة الرقمية، وقضايا أدب الجيل الجديد والشباب، وأيضاً كيفية تطوير أدوات جذب الأطفال إلى الكتاب الورقي والرقمي.
ووفق تقديرات بعض دور النشر العربية، فإن حجم إنتاج المواد الخاصة بأدبيات الطفل في الوطن العربي يقل بنسبة 60% مقارنة بالدول الغربية، مرجعين سبب ذلك إلى ضعف ثقافة القراءة لدى الأسرة العربية، وعدم قيام المدارس بدورها في تعزيز ثقافة القراءة لدى الأجيال الناشئة، بالإضافة إلى ضعف الوعي بمدى أهمية القراءة بدلاً من اللجوء إلى الوسائل الترفيهية.. فيما يرى باحثون متخصصون أن سبب عزوف الأطفال عن الكتاب يرجع إلى ضعف المضمون وتقليديته، وكذلك افتقاده إلى الشكل القادر على جذب أعين الأطفال لتحفيزهم على القراءة.
وبين تلك الإشكاليات تبرز أهمية ما تقوم به الفعاليات الثقافية الكبرى، وعلى رأسها معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يقام بين الفترة من 1 إلى 10 أكتوبر المقبل، في معالجة قضايا ثقافية مهمة، وبوسائل علمية مدروسة، مثل قضايا النشر والقراءة، وقضايا كتب الأطفال، التي أجمع الباحثون على كونها القضية الأم لأزمة القراءة والنشر والثقافة في الوطن العربي بشكل عام. خاصة في ظل ما توليه المملكة من أهمية كبرى للثقافة وللطفل في آنٍ معاً، وفق ما أقرته رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى بناء مجتمع قادر على إنتاج المعرفة وصناعة الثقافة، باعتبارها من مقومات “جودة الحياة”.
ورغم أن كتاب الطفل مازال يعاني من إشكالية الشكل والمضمون وندرة القراءة، إلا أنه استطاع خلال السنوات الأخيرة -وفق الإحصائيات- أن يكون من بين الأكثر مبيعاً في معرض الرياض الدولي للكتاب، خاصة في ظل ما يشهده المعرض من فعاليات خاصة لجذب الطفل وإثرائه المعرفي.
وحسب المتخصصين فإن كتاب الطفل يعاني من تحديات عديدة في ظل الرقمنة والإبهار البصري الذي يسحب البساط من الكتب المطبوعة، التي مازالت في حاجة ماسة لإعادة تموضعها على ساحة المنافسة. حيث يعاني كتاب الطفل العربي عزوفاً كبيراً من جانب الأطفال واتجاههم نحو المنتج الأجنبي بمختلف فروعه، مما يعني وجود أزمة تستحق التوقف والعلاج، حيث يحظى كتاب الطفل في كل الدول الغربية باهتمام وتقدير باعتباره أداة تربوية وتعليمية ووسيلة لقراءة الحاضر، فضلاً عن أنه مدخلاً للمستقبل.
ومع قرب انعقاد معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يحتضن لأول مرة يومي الرابع والخامس من أكتوبر مؤتمراً دولياً للناشرين، يناقش إشكاليات كتب الطفل، يتوقع المتخصصون أن تحقق كتب الأطفال في معرض هذا العام رواجاً ملحوظاً، في ظل اهتمام وزارة الثقافة والقائمين على المعرض بقضية كتاب الطفل، والبحث عن وسيلة لتطوير أدوات جذب الأطفال نحو الكتاب سواء أكان ورقياً أو رقمياً على حد سواء.