نفذ فريق أمل وعمل التطوعي، التابع لجمعية رواد العمل التطوعي بجازان مبادرة بعنوان”تراثنا والعيد”، وذلك يوم الجمعة، في القرية التراثية في جازان، بقيادة فازعة الصامطي ونائبتها فاطمة شبيلي.
وكان سكان منطقة جازان قد اعتادوا على تقاليد خاصة توارثوها في توديع الحجاج، واستقبال الحجاج العائدين من الأراضي المقدسة بعد تأدية فريضة الحج، ومن أبرز هذه العادات ترديد الأهازيج الشعبية لوداعهم وقدومهم وتزيين منزل الحاج.
يحكي العم يحيى المسعودي قائلًا: “كانت النساء قديمًا يطلين جدران المنازل بعد تنظيفها بمادة البودرة البيضاء أو الجبس أو الطين لعيد الأضحى، وكذلك قبل وقت كافٍ من وصول المحتفى بهم من الحجاج وهن يرددن أجمل الأهازيج الشعبية دون عناء أو مشقة”.
وأكمل العم المسعودي: “قديمًا كانوا يهتمون بتربية الأضاحي بأنفسهم بدلًا من الشراء، وتربى الأغنام لمدة عام وتطعم الشعير والقصب ويوضع لها الماء مع الملح، وتسمى “المديدة” وهي التى تجهز للأغنام مع الماء من طحين البر والملح.
عقب ذلك، عرض مرئي يتحدث عن الحج قديمًا في جازان والصعوبات التي كان يواجهها الحجاج قبل ٩٠ عامًا.
وتحدث بالعم حسين الأزيبي عن الصعوبات والمخاطر والظروف الصعبة التي كانت تواجه الحجاج آنذاك وقال: «إنهم كانوا يستعدون للحج قبل أشهر، ويجمعون تكاليفه خلال ستة أشهر، ويوفرون المأكولات وأهمها أكلة الشمير، التي تصنع من حبوب القمح والدخن بطحنها وخبزها ثم تطحن مرة أخرى، وتعبأ في أكياس وتؤكل بعد بلها بالماء وإضافة السمن والعسل لها، ومن المأكولات اللبن المجفف، ويقطع على قطع من القماش الأبيض ويعرض للشمس حتى يجف ويطحن ثم يعبأ في علب، وكانوا يحملون معهم السمن والعسل والبر والسلاح والأكفان، وتنطلق قافلة الحجاج إلى مكة المكرمة في منتصف شهر شوال».
وأضاف: «القافلة المتجهة للحج قديمًا كانت تتعرض للسلب والنهب من قطاع الطرق، لذا كان الحجاج حريصون على حمل السلاح معهم لردع اللصوص لكيلا يعتدوا على قافلة الحج».
وتابع: «كانت رحلة الحج محفوفة بالمخاطر في الذهاب والعودة، وكثيرًا ما كانت تحدث وفيات بين الحجاج في الطريق، ويتعرض بعضهم للمرض لعدم توافر المستشفيات لمراجعتها، فكان المريض منهم يتألم كثيرًا ولا يحصل على دواء، لذا كانت القافلة تستعد للحج بالأكفان وأدوات تجهيز الموتى من الطيب والسدر وأدوات حفر القبور، وفي أي موقع تحدث الوفاة لأحدهم يجري تجهيزه بالغسل والتكفين ثم دفنه، وبعد ذلك تواصل الرحلة سيرها سواء كانت ذهابًا إلى مكة أو العودة بعد انتهاء فريضة الحج، ولا يعلم أهل الحجاج ما حصل لهم في رحلة الحج لعدم توافر اتصالات».
ويروي العم حسين أن رحلة الحج كانت تبدأ في منتصف شهر شوال، ويتجمع حجاج القرية والقرى المجاورة لها وتنطلق القافلة المكونة من الحمير، والجمال، والخيول إلى مكة المكرمة، أما النساء فيعمل لهن هودج على ظهور الجمال، والهودج عبارة عن سرير من الخشب له حواف ويغطى بقطع من القماش، وفي أثناء خروج الحجاج يجري توديعهم من قبل النساء بالزغاريد والأهازيج والأناشيد، وكان أحد الرجال ويسمى «الملبي» يودع الحجاج بالأناشيد والشعر وينطلق معهم سيرًا على الأقدام حتى قرية بيش على بعد أكثر من 100 كيلو متر، ثم يعود المودعون إلى القرية لتواصل الرحلة سيرها إلى مكة المكرمة.
وتحدث الازيبي عن الصعوبات التي كانت تقابل الحجاج في خط الساحل الرملي المحفوف بالمخاطر آنذاك، فقال: «كان رجال القافلة يتناوبون على حراستها من قطاع الطرق، وكانوا يحملون معهم السلاح في أثناء الذهاب إلى الحج، ومن الصعوبات وعورة الطرق الرملية، وعند هطول الأمطار وهبوب الرياح القوية كان الحجاج يعانون كثيرًا لعدم وجود منازل أو قرى على الطريق يحتمون فيها».
وحكى العم حسين الأزيبي عن وداع الحجاج فقال: «يتجمع أهالي الحارة عند عائلات الحجاج، ينشدون الشعر والأهازيج في ليلة تسمى “توديعة”، وعند عودة الحجاج يرسل لهم الأهالي شخصًا يسمى “المبشر”، لملاقاتهم بعد قطع مسافة تتجاوز ألفي كيلو متر في مكان يسمى المظيلف أو عمق أو حلي، لتسليمهم رسائل من أهالي الحجاج للاطمئنان على أحوالهم وصحتهم، وفي نفس الوقت يأخذ المبشر رسائل من الحجاج يعود بها إلى أسرهم مكتوبا فيها بأنهم في صحة جيدة وأتموا الحج».
وقال العم حسين الازيبي: «من أشهر الموروثات في قدوم الحجاج هو المبشر وكان من أوائل المبشرين بقدوم الحجاج بعد الانتهاء من الحج لخبرته بالطريق وسرعته في قطع المسافات، فكان يستقبلهم بعد قطع مسافة ما يقارب ثمانية أيام حتى الوصول إليهم جريًا على الأقدام وينقل لهم الأخبار من أسرهم وما حدث من أحداث سواء سارة أو سيئة وفي نفس الوقت ينقل أخبار الحجاج إلى أسرهم سواء المفرحة أو العكس، ويأخذ المبشر إما كساءً أو نقودًا أو حبوبًا مقابل هذه الخدمة الشاقة لخطورة الطريق والجوع والعطش وتحبل القعادة وهذه القعادة لا يجلب عليها إلا الحاج، ويوضع عليها الخطور والحاف والمصنف وهي تستخدم لعدة استخدامات للعريس والحاج مع المصنف وتستخدم للميت مع اللحاف دون المصنف.
وأضاف قائلًا: «عند وصول الحجاج إلى القرية لا يدخلونها ليلًا بل يبيتون في أطرافها حتى بعد صلاة الفجر وعند قدومهم يدخلون المسجد أولًا يصلون لله ركعتين شكر على توفيقه لهم، ومن ثم ينطلقون إلى منازلهم ويستقبلهم الأهالي بالأهازيج والزغاريد مع أصوات الرصاص؛ فرحين بقدومهم سالمين ولا يوزعون الهدايا إلا بعد ثلاثة أيام من الراحة وكانت الهدايا عبارة عن الصنبران، والمسابيح، والخواتم ».
هكذا كان الحج قبل 90 عامًا عبارة عن معاناة، ومخاطر، وصعوبات ومعوقات بكل أوصافها، إلا أنه أصبح رحلة ميسرة لتوافر الأمن، والمواد الغذائية، والخدمات، والطرق المعبدة وأحدث أنواع المواصلات في ظل حكومتنا الرشيدة وما يبذلوه من يسر وسهولة في سبيل راحة الحجيج وتوفير سبل الأمن والأمان لهم.
وفي ختام الفعالية، سمحت بمداخلات مع الجمهور وأسئلتهم عن الحج والعيد قديمًا، وأقيمت مسابقة للأطفال وجرى توزيع الهدايا التذكارية على الحضور والأطفال وإدخال فرحة العيد على نفوسهم.