ما يحمله الفنان التشكيلي السعودي ماجد المفرح من ذكريات مليئة بالأحداث والمشاهد البصرية والحسية التي عاشها في طفولته وشبابه وما علق منها من تفاعل مع ما حوله يعد مصدر إلهامه الفني، فهو يبوح بتلك التجارب والذكريات مباشرة ودفعة واحدة بوصفها حالة تعبيرية فنية كاملة على سطح اللوحة.
أدوات المفرح في التعبير الفني ليست الألوان والخطوط والملامس والمساحات وما ينتج عنها من أشكال ونماذج فحسب، بل في روح التجربة التي يمر بها ويستمتع بأجوائها حين يبدأ في لوحته بملامس قوية وألوان ناصعة ومتنوعة وخطوط وأشكال متعددة, كل ذلك يتناغم ويتفاعل بشكل عفوي وبصورة مختزلة مع بعضها البعض ولم يبق من هذا التفاعل الفني ) والفيزيائي أحيانا ( إلا ما نراه من مساحة على سطح الكانفس يتخللها بعض أثر لتلك الخطوط والأشكال والملامس المتباينة التي كانت تتفاعل مع بعضها البعض ليستحضر المفرح ما يجول في ذاكرته من أحداث مازجا بينها وبين ما يعتمل في مخيلته اللحظية لخلق حالة خاصة على سطح اللوحة تشع بوضوح.
تلك الحالة هي رؤية المفرح التي يطرحها في كل مرة بشكل متنوع كأنه لا يريدك أن تبحث عن موضوع معين في كل لوحة، أو كأنه لا يريدك أن تحاول فهم الدلالات اللونية أو الخطية في عمله، أو كأنه لا يريدك أن تستمتع بالألوان والأشكال على سطح الكانفس فقط، ربما يريدك أن تعيش مع اللوحة الحالة التعبيرية عدة مرات، وأن تعيش مع لوحاته الفنية تجربة جديدة في كل مرة.
الاسلوب الادائي الفني في عمله الفني وسيطرته على كل ما يحدث من أثر على سطح اللوحة يدل على رؤية فنية ناضجة وباحثة عن التفرد ونتيجة لهذه التجارب المميزة انطلق معرض “سجّة” المعرض الشخصي الثاني للفنان ماجد المفرح في جاليري نايلا بمدينة الرياض من ١٦ الى ١٩ نوفمبر يُطل علينا الأستاذ ماجد المفرح بسـجة” المزدحمة بالفكر والذكريات والثراء اللوني والخطي , متفرداً عن غيره بحجم و غرابة تثير لدهشة.
أخذت “سـجـة” ماجد المفرح أكثر من سنتين من التأني منهمكاً في مرسمه مستغرقاً بفِكرِه وأدواته, لإبراز صياغات جديدة ونكهات فنية , و عمق ينتظره الجميع.
من حيث الوهلة الأولى , تتسم لوحاته باللاموضوع, لكنها موغلة و مغرقة و مملؤة بالحديث مع نفسه تارة و مع تلميحاته و رمزياته تارة أخرى , تلميحات ذات بُعد غير عادي و باعثة على الإنصات.
لا تملك حين تقف أمام سجاته إلا أن تتنفس بعمق , و تطلق العنان لمعرفتك و ثقافتك بالبحث عن ماجد المفرح في ثنايا الخط و اللون , فهو مختبئ في عمقُه و تجلياته و هواجيسه الخاصة.
لا يتعمد ماجد المفرح أن يثير زوبعة لونية أو خطوطاً تتصل بعضها البعض لإحداث عنصر مكتمل واقعياً يمكن قياسه للمتلقي العادي ,و إلا لبقي في التعبيرية التي تقترب من الشكل الذي ندركه جميعاً , لكنه يُقدم برمجة جديدة تخصه , يمكن قراءتها متصلة كلغة خاصة ,و رمزية فريدة تتكشف من خلالها شخصيته و اسلوبه و عفويته و جمال شخصيته أيضاً , فالفنان موجود في كل أعماله الفنية مهما حاول الإبتعاد عن تفاصيله و شخصيته.
“سـجَـة” بلونها الأبيض تارة و الأكثر اشعاعاً تارة أخرى , ثم قتامة فريدة , و تشعُب لافت , يجعلك تقف في حيرة لتسأل نفسك مالذي يريده ؟ و لماذا ؟
و هنا يكمن الجمال , “ســجـَّة” تستفزنا بطريقة تجعلنا نصفق لها مذهولين.