استحوذت الدراسات المشتغلة في حقل الشعر على أغلب بحوث ثالث جلسات ملتقى قراءة النص في دورته الـ16، الذي ينظمه أدبي جدة، والتي انطلقت عند الرابعة عصرًا اليوم الأربعاء 5 فبراير 2020م، بإدارة الدكتور محمد المسعودي، حيث جاءت مشاركة الدكتور أشجان محمد هندي بورقة تعقبت “أثر التكنولوجيا الرقمية في إنتاج القصيدة وتلقِّيها: نماذج من الشعر السعودي المعاصر”، يعت من خلالها للكشف عن علاقته بالتكنولوجيا الرقمية الحديثة وبيان أثرها في عملية إبداع وتلقّي النص الشعري، وذلك في إطار ما أنُجز منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين إلى اليوم. حيث ترصد هذه الفترة الزمنية ما يُمكن تسميته بمرحلة النسيج الشعر – تكنولوجي التي أفادت فيها القصيدة من تقنيات التكنولوجيا الحديثة في استلهام عناصر ورموز وموضوعات تتصل بالعالم الرقمي. وترى الباحثة أن أثر التكنولوجيا الحديثة في القصيدة المعاصرة في المملكة العربية السعودية يُظهر أن المرحلة الزمنية التي نعيشها اليوم قد فرضت نوعًا جديدًا من التأليف والتلقّي ضمن أُطر فنيّة تحكمها تحوّلات المرحلة والذوق الجمالي العام. مضيفة: لقد أسهمت الثورة التكنولوجية بشكل كبير في إنتاج نص شعري يعتمد في إنتاجه وتلقّيه -على حد سواء – على مخرجات التكنولوجيا الحديثة التي تتطوّر باستمرار وبسرعة فائقة. ممّا أدّى إلى تحوّل القصيدة بصورتها الراسخة في الذهنية العربية إلى صورة جديدة ومختلفة وقابلة للتطوّر على نحو سريع ومُستمر ومُربك – في الوقت ذاته – لمصطلح الشعر وحدوده التي وُضعت قديمًا.
العلامات الشعرية
وقدم الدكتور مصطفى الضبع دراسة وببليوجرافيا لموضوع “العلامة الشعرية في القصيدة السعودية مطلع الألفية الثالثة”، مقررًا في المستهل أن الشعراء لا يخترعون العلامات الشعرية، فالعلامة بداية مفردة لغوية لها حضورها في الثقافة الإنسانية ولها نظام عملها الفاعل، غير أنها حين تنتقل إلى النص يكون لها فعلها عبر نظام خاص، نظام القصيدة، وهو ما يعني كونها اختيارا جماليًا واعيًا من الشاعر، مما يجعله معيارا صالحا للحكم على شاعريته. ماضيًا إلى القول: إن علامة واحدة يوظفها الشاعر لقادرة على الحكم على شاعريته، والكشف عن قدراته الجمالية والبلاغية والموضوعية، حيث الموضوع مجرد إناء يكون مقبولاً، ودالاً كلما استطاع الشاعر انتقاء العلامات وتنظيمها ومنحها القدرة على العمل والإنتاج. لذا تقارب الدراسة العلامة الشعرية ليس بوصفها موضوعا وإنما بوصفها تقنية حيث الشاعر لا يكتب عن العلامة وإنما هو يكتب بها مما يعني كونها وسيلة جمالية لاستكشاف النصوص والوقوف على قدراتها الجمالية.
ارتحال بين عالمين
ويتخذ الدكتور سعود الصاعدي من ديوانين للشاعر حاتم الزهراني نموذجًا لبحثه الموسوم بـ”من غنائية المفرد إلى حوارية المثنى”، حيث يقول: في مجموعتين شعريتين طرحهما حاتم الزهراني، ضمن تجربته الشعرية يرتحل الشاعر عبر عالمين؛ عالم الشرق وعالم الغرب، وتمثل كل مجموعة عالمًا، حيث تبدو الأولى ذات حضور غنائي ذاتي، سواء بالمعنى الفردي أو الجماعي، أما الثانية فتكشف عن تجاوز الشاعر الحوار الذاتي عبر المجازات إلى الحوار الحضاري عبر الثقافات، ومن هنا يحضر عنوان المجموعة الثانية دالا على هذه الرؤية التي تتحرك في فضائها النصوص الشعرية تحت هذا العنوان اللافت: (أحتفل بالمثنى في ييل).
حيرة واضحة
ومواصلة لحقل الشعر قدمت الباحثة الدكتورة ميساء الخواجا ورقتها “حيرة الشكل في قصيدة الشعراء الشباب في المملكة”، قائلة: إن الناظر في تجربة الشعراء الشباب في المملكة العربية السعودية ، لاسيما ما كتب في الألفية الثالثة، يلاحظ حيرة واضحة في التعامل مع الشكل الأدبي وتداخلا بين الأجناس والأنواع عند عدد منهم، فنرى التجاور بين السردي والشعري، بين الشعر والخاطرة النثرية، تحمل بعض النصوص ملامح قصيدة النثر، في حين تتخلى نصوص أخرى عن التجنيس، تتجاور القصيدة القصيرة مع القصيدة القصيرة جدا (الكبسولة).
مضيفة: إن النصوص تحمل تقنيات من السرد والسينما وتبرز فيها المشهدية والتقاط التفاصيل، في حين تميل نصوص أخرى إلى التكثيف الشعري وكثافة الصورة.
بعيدًا عن دائرة الضوء
وبعيدًا عن الشعر يدخل الدكتور محمد بن أحمد الخضير إلى حقل النقد بورقته “النقد العربي للأدب السعودي من تجسير الفجوة إلى بؤرة الاهتمام – تجربة يوسف نوفل النقدية في كتابه «في الأدب السعودي» أنموذجاً”، مشيرًا إلى أنه “لم يكن الأدب السعودي محط اهتمام النقاد العرب في فترة قديمة سابقة، بل إن الإنتاج الأدبي السعودي لم يكن حينها حاضرًا في أذهان وأنظار الأدباء السعوديين الأوائل أنفسهم؛ ذلك أن بعض الآداب العربية كانت حاضرة بقوَّة في أذهانهم أكثر من آداب بلادهم، بسبب اهتمامهم بها، وكذلك قوة وسرعة انتشار بعض الآداب العربية، وتحديدًا الأدب المصري، مما جعل أكثر الأدباء السعوديين يرون فيه الأدب النموذجي الغزير، فكانت تتناوله أكثر الدراسات النقدية دون أن يكون للأدب السعودي حضور يُذكر في هذه الدراسات. وعلل الخضير عزوف النقاد العرب عن الأدب السعودي لأسباب ذاتُ صلة بضعف تواصل الأدباء السعوديين وتفاعلهم مع الأقطار العربية الأخرى، وبخاصة تلك الأقطار التي تنشط فيها الدراسات النقدية.
تكوين رمزي ودلالي