أيها الجامح في البحث عن دنياك ، السائر خلف شهواتها،المتعثر بفتن هفواتها ، الطامع في ملذاتها ؛ ستقيدك بأغلالها من حسد وحقد ومغالاة وتكبر وهمّ وطول أمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ما كانتِ الدُّنيا هَمَّ رَجلٍ قَطُّ إلّا لَزِمَ قَلْبَه أربعُ خِصَالٍ: فقرٌ لَا يُدْرِكُ غِنَاه، وهَمٌّ لَا يَنْقَضِي مَدَاهُ، وشُغْلٌ لَا يَنْفَدُ لأوَاهُ، وأَمَلٌ لَا يَنْقَطِعُ مُنْتَهَاهُ).
اجعل للتوازن نصيباً في اهتماماتك ، واجعل عباداتك تلازم عاداتك،واجعل للتسامح رسائل في بريد حياتك ،واطوِ صفحة الشقاء بنقاءالسريرة ،وحسن الظن ،والزم تقوى الله فهو النجاة ،واسقِ قلبك بذكر الله ليزهر بداخلك الأمل والتفاؤل وحب الزهد . قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (انظرْ إلى الدُّنيا نَظَرَ الزَّاهِدِ المُفَارِقِ، لا نَظَرَ الرَّاغِبِ الوَامِقِ، واحذرْ سُرُورَها وغُرورَها، واعتصمْ بربِّك مِن فِتْنَتِهَا، فإنّ أقواماً اتخذوا ربَّهم حرزاً، واتخذوا دينه عِزّاً).
أسْكِن المساكين في معطفك ، ونم قرير العين بحسن لطفك ، واسكب الأمل في نفوس اليتامى ، سِر في دنياك كعابر سبيل ، وافترش الدنيا والتحف الآخرة ..
وأسقط الأقنعة لترضَ بالقليل ، واكشف غمّ حبّ الدنيا الذليل ، وفتّش عن روح تقوى قلبك الأصيل لتنعم بعمرٍ أثره جليل ، وذكره عند الله والناس ذكر جميل ..
وماذا بعد؟
اخرج من لجة الشتات واجمع من عمرك الفتات ، وكافح هوان العيش واهزم الخيبات ، واستبصر الدنيا بعمارها ، واقنع دوماً بهِباتها ، واستوطن حبّ الآخرة
قرارة قلبك فإن وعد الله لآتٍ ، ويوماً ما سنغدو رفات..
انزع جلباب الشقاء واغنم بمرافقةالأصفياء ، وانطلق نحو عنان السماء ، وانثر حلمك في الأرجاء ، وابسط على قلبك ذِلّة الدنيا وعِظَم الآخرة..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أحَبَّ دُنياهُ أَضَرَّ بآخِرَتهِ ، ومَن أَحَبَّ آخرتَهُ أضرَّ بِدُنْيَاه ، فآثِروا ما يَبْقَى على مَا يَفْنَى»