جنت الأزمات على المجتمعات، فتمحص الأفراد، ليتجلى المخلصون بتفانيهم، وينقشع الستار عن المتخاذلين بتراخيهم، حتى يميز الله الخبيث من الطيب، والأمين من الخائن، والمبادر من المتلكئ، فالابتلاء كالغيمة السوداء، يتطير أكثر الناس بسوادها، ويتيمن بعيدو النظر منهم بمطرها وخيرها، فقد قال الحق العظيم في كتابه الكريم : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم }، ومن بين أولئك اللامعين الذين برزوا في هذه الجائحة هم أهل التطوع، الذين كرسوا جهدهم في المبادرات الخيرية المجتمعية، وجعلوا مبدأهم قوله تعالى : { فمن تطوع خيرا فهو خير له }.
وانطلاقا من هذا الأساس القويم نفذ أعضاء فريق غد التطوعي التابع لعمادة خدمة المجتمع والتنمية المستدامة بجامعة الطائف مبادرة تطوعية رائدة، ضمن حملة نعود بحذر،على مراحل ثلاث، ابتدأت تلك البادرة في نشر رابط على وسائل التواصل الاجتماعي عبر القنوات الرسمية للفريق المتميز يتضمن التسجيل للمشاركة في تنفيذ المبادرة في مرحلتها الأولى، ثم قسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات، تتوجه كل مجموعة إلى جامع من جوامع محافظة الطائف عند الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الجمعة الموافق ١٣ / ١٠ / ١٤٤١ للهجرة النبوية، وقد تمثل عمل المجموعات الثلاث ضمن هذه البادرة اللافتة في تعقيم المصلين عند دخولهم للجامع وعند خروجهم منه، وتنظيم جلوسهم بما يحقق التباعد الاجتماعي، كما تم توزيع الكمامات الطبية على من لا يملكها منهم، إضافة إلى تنظيم خروجهم من الجوامع بعد أدائهم لصلاة الجمعة، وقد نفذت المرحلة الأولى من هذه المبادرة المضيئة في جامع الملك فهد، وجامع عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، وجامع الحمودي، ثم انطلقت بعد ذلك المرحلة الثانية من هذه الحملة التطوعية لينشر رابط المشاركة لتنفيذها في يوم الجمعة الموافق ٢٠ / ١٠ / ١٤٤١ من الهجرة، ولكن هذه المرة ليست كالأولى إطلاقا، فقد نفذت المبادرة بأكثر من ستين متطوعا، وشملت ثمانية من جوامع الطائف، محققة نجاحا مثلجا للصدور، ثم جاءت الموافقة على تنفيذ الفريق للبادرة أيضا في الجمعة الموافقة ٢٧ / ١٠ / ١٤٤١ للهجرة، لتبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل تلك الحملة التي قل أن ينفذ مثلها، فقد شملت هذه المرة عشرة جوامع من أكبر جوامع الطائف، وبمشاركة أكثر من ثمانين فردا متطوعا، لتنتهي هذه المبادرة بأبهى صورة من صور التفوق، وأجمل لوحة تصف التوفق، ولم يكن فريق غد التطوعي لينفذ مشاركته النيرة بمراحلها الثلاث دون الدعم المشكور والسعي المحمود الذي حظيت به المبادرة من الإدارة العامة للأوقاف والمساجد بمحافظة الطائف.
هذا وقد لاقت تلك المبادرات الثلاث تغطية إعلامية واسعة، إضافة إلى استحسان وثناء الكثيرين، كما تلقى فريق غد التطوعي شكرا ومباركة من جهات عدة على تنفيذه لهذه البادرة، ونجاحها اللافت، فقد رفع الأستاذ فهد الحارثي المشرف العام على المساجد بإدارة المساجد والأوقاف والدعوة والإرشاد في محافظة الطائف تقديره إلى جهود المتطوعين البارزة، كما تقدم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ناصر بن سعود القثامي رئيس قسم القراءات بجامعة الطائف وإمام وخطيب جامع السناح في رحاب وعضو لجنة التحكيم في مسابقة الملك سلمان المحلية سابقا بأسمى آيات الشكر للفريق التطوعي، ولكل من ساهم في إنجاح هذه الحملة.
كما قال قائد الفريق الطالب بكلية الطب حسام الغامدي : نحمد الله عز وجل على نجاح هذه المبادارت الثلاث نجاحا باهرا، كما أننا نفخر جميعا نحن أبناء هذا الوطن الغالي في خدمة المصلين على هذه الأرض الطيبة الطاهرة، كما أتقدم بأسمى الشكر والتقدير والعرفان لكل متطوع شارك معنا، وتحمل الأتعاب والمخاطر من أجل خدمة الدين ثم الوطن والمليك، احتسابا للأجر والمثوبة من الله جل جلاله.
إن لذة التطوع لا يعدلها لذة، فهي تغشى روح المتطوع وفؤاده، وتجعل سعادته مقرونة بعمله للخير، وبذله الجهد والمال في أوجه البر، وإحسانه إلى إخوانه، فلا ينتظر مقابلا منهم، سواء أكان مقابلا ماديا أو معنويا، متمثلا قول بارئه : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا }.