التخطيط لما بعد التقاعد نسمع كثيراً تندراً وإستهزاءاً بالموظف بعد سن التقاعد الذي خدم أجمل سنوات عمره ونفع بلاده ودينه وأهله فيقال عنه أن دوره الآن في بيته وأسرته هو إغلاق "اللمبات" وإثارة المشاكل داخل بيته بسبب وقد يكون ذلك صحيحاً بمن أهمل في نفسه طوال سنوات عمره وانتهى كل شيء في حياته بخطاب يصله على البريد الإلكتروني أو على مكتبه بواسطة مراسل يبلغه بأنه أصبح متقاعداً عن العمل من تاريخ كذا وكذا ، عندها تظلم الدنيا في عينيه ويحزن كثيراً لتغير حياته وبقاءه في المنزل بدون عمل وإحساسه بفقد قيمته في المجتمع وأمام أهله وذلك بسبب أمور كثيرة منها عدم إكماله دراسته الأكاديمية أو الإستعداد المادي لهذا اليوم وقد يكون مازال في مسكن بالإيجار يطالبه صاحبه بمبلغ سنوياً أو كل ستة أشهر وهو بإن من ديون سابقة أو قروض بنكية مازال أغلبها لم يسدد وربما يكون محملاً ببعض الأمراض المزمنة وصحته ليست على ما يرام فيستيقظ من هذا الكابوس المزعج ويتبين له أن كل شيء حقيقة يجب عليه أن يتعامل مع الموقف كما يجب فربما يستسلم أو يبحث له عن عمل بسيط يدعم راتبه التقاعدي ليستطيع العيش بكرامة بدون الحاجة للآخرين وقد يرضى بما رزقه الله سبحانه وتعالى ويبقى في منزله يشاهد التلفاز ويتنقل من قناة إخبارية إلى أخرى أو يدمن مواقع التواصل الإجتماعي ويتابع كل صغيرة أو كبيرة مما يعود عليه بالقلق والتوتر وربما السمنة وعدم القدرة الجيدة على الحركة والرياضة .. ولكن هناك من كانت مرحلة ما بعد التقاعد له نجاحاً وتطوراً وفرصة كبيرة للحياة والنجاح فهي مكملة لحياة عملية مميزة وربما أفضل من ذلك والسبب لأنه قام بالتخطيط لهذه المرحلة بحنكة ودراية وحسب حساباً لكل خطوة فلم يجلس في البيت ولم يقتصر عمله داخل المنزل على إطفاء الإضاءة ومحاولة التحكم والسيطرة في كل صغيرة وكبيرة فهو مشغول بمشاريعه الناجحة كل على حسب تخصصه وتخطيطه وقدرته وخبراته فهناك التاجر والأستاذ والمؤلف والمزارع التاجر والمحامي والمدرب والإعلامي والمستشار في مجاله وغير ذلك من الفرص والمهن العظيمة التي تجعل الإنسان في أوج نشاطه وقدرته والإستفادة من الفترة التي قضاها في عمله فسن التقاعد لا يعني أن الموظف إنتهى وأصبح غير قادراً على العطاء بل هناك من يصل سن التقاعد وهو في أوج نشاطه وحيويته ولكن هناك أسباباً تنموية وإقتصادية وإدارية في أنظمة الموارد البشرية ليس مجال الكلام عنها هنا ودليل ذلك أن بعض المتقاعدين يعود بنظام التعاقد لحاجة العمل له ويخدم سنوات كثيرة وبكفاءة عالية .
التخطيط المتوازن لما بعد التقاعد مهم جداً للحياة الرائعة والمميزة ولكن بشرط التوازن في الحياة فلا فائدة للعيش بصحة جيدة بدون أي دور في الحياة أو قضاء أغلب العمر في طلب العيش بدون صحة وعافية فحتماً ستتوقف يوماً ما ولا فائدة للحياة كلها بدون علاقة قوية مع الله سبحانه وتعالى والأسرة أساس هام وسند وما تزرعه في حياتك تحصده في هذه المرحلة الهامة فكم من الآباء أو الأمهات نجحوا في أعمالهم وخسروا أسرهم وعندما يعودون لهم لا يجدون قلوبهم ولا عواطفهم فالعلاقة كانت مادية فقط.
ومن الصعب أيضاً أن تكون بعيداً عن التخطيط في حياتك كلها وفجأة تخطط لما بعد التقاعد فالتخطيط ثمرة وخلاصة خبرة حياتية بدأت في مرحلة من مراحل الحياة وتعرضت لبعض الفشل والتعديل والتغيير حتى تم النجاح ، وإمتداداً لهذا النجاح أو النجاحات والتوازن في الحياة يستمر العطاء والتخطيط لما بعد التقاعد فيستمر التوزان الحياتي من جميع النواحي الإيمانية والأسرية والمالية والعملية والتطويرية ليبقى للإنسان عطاءه وصحته وقوته فهناك شخصيات عملية تمرض بسبب توقف العمل وأخرى تنكسر نفسياً بسبب الإحساس بعدم الأهمية في المجتمع ويترتب على ذلك علاقته بأسرته فيقوم بدور الآمر الناهي المسيطر حتى يفقد ودهم وعلاقتهم به.
المتقاعد في سن الخمسين بحاجة ماسة لدورات تدريبية عن التخطيط لما بعد التقاعد ليحيا حياة جميلة منظمة كلها عطاء وإهتمام وتميز وكل على حسب قدرته وطاقته وعطاءه والمرء حيث يضع نفسه.
نصيحتي لك أخي .. خطط من الآن لما بعد سن التقاعد إن أراد الله لنا الحياة وإن كنت متقاعداً فلا تتوقف ابحث عن مايشغل وقتك فيما يتناسب مع رغباتك وهواياتك وطبيعتك وإجعل هذه الفترة أجمل فترات حياتك فلديك الخبرة والدراية والنضج والأسرة والصحة واعلم أنك بإستطاعتك التعلم والتزود بالمعرفة والمشاركة المجتمعية مع أهلك وأقاربك وجيرانك ومجتمعك فأنت مكسب حقيقي لكل شاب في بداية حياته.