في بداية تعليمي - في الكتاب -
أرسلني أهلي إلى شيخ وقور ، أجزم أنه لم يعرف شيئا اسمه ( علم التربية ) ، ولكنه - بطبيعته-
كان مربيا فاضلا ، بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى .. كانت مكتبته متواضعة ومقتصرة على
كتب العلوم الدينية ، وربما كتاب أو كتابين من خطب الجمعة التي الفت في زمن الأتراك بدليل أن أواخر خطبها تنتهي بالدعاء للسلطان عبد الحميد .
منذ الساعة الرابعة صباحا
- بالتوقيت الغروبي آنذاك - ننعتق من منازل أهلنا ذوات الأنظمة الصارمة التي تحاول أن تحد من طيش شقاواتنا الطفولية ، ونتأبط مصاحفنا ثم نذهب إلى منزل شيخنا الوقور لنجده قد خرج من داره ، وذهب إلى( مبسط ) أحد أصدقائه ليتبادل الحديث مع مجموعة من رفاق عمره .
في منزله المتواضع ، كانت تستقبلنا زوجته - التي لم تنجب - لتفرغ شحنات أمومتها في احتمال شقاواتنا وامتصاص طيشنا الطفولي الذي تضج ، وتضيق به ساحة منزلها ، وكان شيخنا لايعود إلينا إلا بعد صلاة الظهر ل( يسمع ) لكل واحد منا
( المعشر ) الذي حدده لنا بالأمس
ويعطينا ( معشرا ) جديدا إذا أجدنا قراءة المعشر الأول ، وإلا كانت النتيجة صفعة خفيفة على جبهة كل واحد من الذين لم يجيدوا القراءة ، وهذا كان كل عقابه .
ذات مرة سافر شيخنا إلى مدينة
( جدة ) - عندما كان السفر بسيارات ( اللوري ) وشبيهاتها ، وعندما عاد من سفره كانت سحارته التنكية تضم مجموعة من الكتب التي رصها - فيما بعد- على رف مكتبته القديمة .
كان من بين تلك الكتب أربعة أجزاء كتب على غلاف كل واحد منها - بخط فاحم كبير - ( الف ليلة وليلة ) .. جذبت غرابة العنوان انتباهي ، فقررت أن اقرا تلك الأجزاء مهما كلفني ذلك من مجازفة ، ولم أجد أمامي سوى انتهاز فرصة ذهاب تلك الزوجة إلى بعض شؤونها ، وما كدت أقرأ الصفحات الأولى حتى استهوتني قصصه ، وحكاياته الخرافية ، ولم تمض أيام قلائل حتى قرأت جميع الأجزاء .
أكثر شيء استهواني في تلك الحكايات حكايات ( السندباد ) التي تقول إحداها : إن السندباد
- ذات مرة - كان يركب سفينة وعندما هاج البحر تحطمت وألقته - هو ورفاقه - على إحدى الجزر حيث قام هو ورفاقه - فيما
بعد - بإشعال النار لينضجوا بعض ماتبقى لديهم من طعام ، ولكن المفاجأة أن تلك الجزيرة عندما أحست بالحرارة تحركت ، وغاصت في البحر لأنها - في الأساس - كانت سمكة كبيرة .
منذ ذلك الزمن - ولأني إبن جزيرة - بدأ القلق يساورني ، والظنون تعصف بي خوفا من أنني أعيش على ظهر سمكة .