الدهر أدبني والصبر ربانـي
والقوت أقنعني واليأس أغناني
وحنكتني من الأيـام تجربـة
حتى نهيت الذي قد كان ينهاني
تتقلب الأيام وتتباين بين فقد و فرح و حزن و سعادة ، لكل مرحلة منها تفاصيلها و لحظاتها ، نتعمق بالتفصيل في مرحلة الفقد ، مواجهتها ، الصبر عليها ، تجاوزها .
مرحلة الفقد تكون هادمة و مدمرة لكل شخص مر فيها ، مختلفة نوعاً ما من شخص لآخر ، أحدهم فقد أشخاص
بموت أو فراق أو غربة ، وأحدهم فقد مال أو فقد فرصة أو فقد عمل أو خسر تجارة أو فشل في مشروع أو فشل في دراسة ، وأحدهم فقد ذاته أو فقد شغفه للحياة أو فقد حبه للحياة أو فقد صحته وأصيب بخيبة من الكون بأكمله ربما أصيب بانهيارات أو أمراض نفسيه أو أمراض جسدية أياً كان فقد شيء من ذاته ولم يستطيع تجاوز ذلك .
وكما قال الإمام الشافعي :
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا
فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ
فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ
وتحتاج مشكلة الفقد في بداية الأمر أن تفرغ لها صبراً وتوسع لها صدراً وتؤمن بأن القدر يوما يُسرا و يوماً عُسراً وعاماً فرحاً و عاماً حزناً .
و عوامل تقوية الذات بتلك المصاعب : الصبر و تقوية الإيمان بالله و التعلق بالله يلي ذلك البحث عن طرق العلاج في بعض الحالات وتسليم الأمر لله ،
بعد ذلك يستمر في دوامة مع حالة الفقد و تشتد عليه إلى أن تصل أقصى مراحلها بعدها مرحلة الفرج و الإستقرار و تعود المياه لمجاريها وإن عادت ليست كما كانت تزيد حكمة و خبرة حياتية عظيمة و تقوية للذات و صقل لشخصيتك للأفضل .
ودَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وكما قيل الصبر مفتاح الفرج و رغم صعوبته إلا أنه طريق للنجاح و الفوز
و الأشياء الجميلة دائماً تختبئ خلف كل عُسر لـ يُجازي الله صبرنا بكرم عطاياه، ونستشهد بـ آية قرآنية تُحفّز و تطمئن وتحث على الصبر و فيها جزاء عظيم للصابرين .
قال تعالى :
(*وَبَشّرِ الصّابِرينَ * *الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ * *أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ*).
لو نتمعن نرى أن الحالة كانت تحتاج فقط مرور وقت على ما أصابنا والمسألة مسألة وقت بعدها نعمة النسيان تجري مجراها ، و تعيد الحياة الطبيعية لكل منا ،
صحيح أننا لا ننسى مانود نسيانه ،
و ننسى كل ما عداه ، ولكن نظل ممتنين
لله على مرحلة النسيان ،
وإن مرت الذكرى لن تكون سوى لحظات وقتها أقل بكثير مما أمضاه صاحب الفقد حزناً على مافقد أو على مافاته .
وأخيراً ...
كم هي كثيرة ذكرياتنا ،
وكأننا عشنا قروناً و أعواماً عديدة ،
وكم هو جميل تناقضنا معها ،
يبكينا أجملها و يفرحنا أقساها .