الأصدقاء يخففون عبء الحياة علينا، يشعروننا أنَّ هناك من يستمع إلينا دون أن يطلق الأحكام، الأصدقاء حياة أخرى تدور في فلك الحياة، المحظوظ من يملك الصادقين منهم، والأوفياء الذين نجدهم في ساعات الشدة أكثر من ساعات الرخاء، فكم واجهتنا مواقف صعبة في حياتنا واستطعنا تخطيها بفضل الله ثمَّ الدعم والمساندة التي تلقيناها من أصدقائنا المُخلصين.
وإذا كانت الصداقة كنز لا يفنى، فإنَّ التسامح هو أساس هذا الكنز، فالصديق الحقيقي هو الذي لا يظن بك السوء وإذا أخطأت التمس لك سبعين عذرا أو أكثر، مثلما وثق أبو فراس الحمداني عفوه وتسامحه مع هفوات أصدقائه حيث يقول:
ماكنت منذ كنت إلا طوع خلاني.. ليست مؤاخذة الإخوان من شأني
يجني الخليل فأستحلي جنايته .. حتى أدل على عفوي وإحساني
إذا خليلي لم تكثر إساءته .. فأين موضع إحساني وغفراني
يجني علي وأحنو صافحا أبدا .. لا شيء أحسن من حان على جان
وهنا أريد أن ألقي الضوء على الصديق المشترك، الذي يتقاطع مع الجميع في دائرة الحياة، الصديق السهل الممتنع، الصديق الذي يملكه الجميع ولكن لم يتعرف عليه إلا القليل منهم، الصديق الذي أودعه الله في داخل كل إنسان: هو نفسه، أجل أنت صديقك أنت، إذا لم تتعرف بعد إلى صديقك الأوفى والأصدق المبعوث في داخلك، فأنت لم تختبر بعد أرقى وأحن وأسمى أنواع الصداقة.
كن صديقك واحتوي ذاتك الكامنة داخلك، كن صديقاً لنفسك، أحبها وأحتضنها وسامحها، فأنت أكثر من يحتاج أن يتصالح مع الطفل والمراهق والشاب والعجوز في داخلك، فاللحظة التي ستدرك فيها أنك الصديق المفضل لديك، سوف تسقط عنك الكثير من الأعباء المتراكمة التي أثقلت روحك وأنت تجامل الآخرين على حساب صديقك الداخلي، كن صديقك، ولا تسمح لأحد أن يشعر بدلاً منك أو يخطط بدلاً منك، لا تسمح لأحد أن يعيش حياتك.
كن صديقك، وعد بذاكرتك إلى الوراء بعيدًا، واستحضر صورتك وروحك عندما كنت صغيرا، وكنت تحلم بكل شغفك وجنونك، كيف ستبدو عندما تكبر، وماذا ستُمارس من المهن، وكيف سيكون شريك حياتك يُشاطرك الروح والجسد، تحلم بكل تفاصيل مستقبلك بدون قيود ولا تعرف أي معنى للحدود، احتضن الصغير الذي يغفو بداخلك وابدأ باستعادة أحلامك وأمنياتك ودعواتك ثم طاردها.
كن صديقك، وقف على طابور المواقف الماضية والمدفونة التي لونها تأنيب الضمير واللوم والندم، تأملها جيداً وتعلم عندها أن تسامح نفسك وأن تسامح من تسببوا بها لك، سامحها وسامح الجميع فمن منِّا لا يخطئ، ولا تعتب على نفسك بسبب إخفاق في اختيار قمت به من سنين، تأكد أن اختياراتك الماضية كانت الخيار الأنسب والأكفأ في ذلك الوقت.
امتن لنفسك واشكرها على الجهود التي بذلتها في سبيل إسعادك، اشكرها على هدوئها في مواطن الغضب، اشكرها على ليلة صعبة مرت عليك وكانت نفسك راضية تطمئن روحك، اشكرها على مرض أنهك جسدك وكنت مبتسماً سعيدا متفائلا، أنت صديقك الذي يجب أن تكسبه، صديقك الذي يجب أن تسامحه وتسمح له بالظهور، دع الجميع يراه كما يراك، فإنه يستحق هذا الحضور.