مطلقة .. لقب كان إلى زمن قريب يعد وصمة في جبين المرأة و هم يثقل كاهل ذويها حتى الممات .
مطلقة .. كانت صفة محرمة في بعض العائلات و القبائل و كأن هذا الحال يكسو صاحبته حلة من هوان تجعلها مرفوضة و متهمة في آن .
و دارت الأجيال ، عقود مضت، و غزا التغيير كل مجال و شمل التحول كل مألوف حتى بات مانظنه عيبا في الماضي وضعا طبيعيا في حاضرنا الميمون.
صار التغير من النقيض إلى النقيض، كانت المرأة تصبر حتى تموت حفاظا على بيتها، أصبحت المرأة تموت شوقا لتحصل على حريتها و إلا ماتت قهرا .
كان الرجل لاهم له سوى بيته، و أصبح بيته همه و عبئه الأول والأخير .
الطلاق صار منتهى الآلاف من الأسر، تنهدم البيوت و تنزع فتائل الحروب بين الزوجين لأسباب تتعلق بكل شيء عدا أساسيات الحياة، فالكماليات حاكمة العلاقات بأمرها و الأسس انهارت أو بقت صامدة ولكنها مهترئة و لا يلتفت لترميمها أحد، كمبنى يصنعه عمارون لا يهتمون لأسسه و دعائمه قدر اهتمامهم بنوع الطلاء و زخارف الزينة و تأثير الإضاءة و لون الرخام .. بيوت واهية كبيت العنكبوت .
نسيج فني رائع و إن نفث فيها نافث بنسمة هواء انقطعت و تلاشت .. تلك هي بيوت و أسر الجيل الحالي .
جيل أطلقت عليه لقبا مطابقا لصفته (جيل أقل المجهود ) و لاظلم أو بهتان في هذا الاسم لهكذا مسمى.
جيل كانت لبنته الأولى على أيدي المربيات اللاتي يحملنه دلالا و ترفا يصل إلى حد حمل الحقيبة و نزع الجورب .. ثم يأتي الدور المجيد لوزارة التعليم التي أرادت أن تتخلص من تسلط المعلم و صعوبة المنهج وكثرة الراسبين فقامت بخلطة سحرية و نقلة نوعية بزاوية قدرها 180 درجة مفادها قدس الطالب ظالما أو مظلوما، بات المعلم مخلوقا هلاميا بلا هيبة أو مكانة و صار النجاح حليف الجميع حرصا على تفريغ المكان لطلاب السنة التي تليها .. سوء على سوء .. خلق ماردا من فوضى و عملاقا من كسل، جيل يعلم أنه سينجح حتى و لو بأقل المجهود، "فلم التعب إذا.! " و لتذهب أبيات الشعر الداعية إلى البذل و السعي إلى مرمى النفايات، و مرحبا بالنجاح المترف و التعلم السهل، ويساعد على ذلك نموذج من معلم أو معلمة لا هيبة لها أو خبرة و نموذج آخر من معلم يتصدق على طلابه بالإجابات في صالات الاختبارات إشفاقا عليهم، سحقا لشفقة تخلف اسفينا يدق في نعش التقدم و النهوض .
أي أمة ترى تنهض بجيل أقل المجهود؟! حيث يكبر ذاك المتراخي و يتخرج و لايزال بذات البخل في الجهد حتى و إن أتعبه التعليم الجامعي سافر أو تعلم في جامعة خاصة .. وهكذا تستمر المأساة إلى أن يتزوج أو تتزوج و يتعاطون مع الزواج و واجباته بنفس المنهاج - أقل المجهود - فلا الفارس يريد أن يترجل عن حصانه غرورا ولا الأميرة ترضى بتقديم العطاء و التضحية تكبرا .. والنتيجة أن مجتمعنا يعتبر من الدول الأعلى نسبة في الطلاق في العالم، والعوامل كثيرة و متداخلة ونجملها في : - طفرة الثقافة و التعلم لدى الفتيات.
-مدى تقبل الاستقلالية الفكرية والمادية للمرأة من قبل الرجل.
-مدى الصراع القائم بين الحداثة و التحضر و الانغلاق و التخلف في العلاقة بين الذكر و الأنثى.
-ذكورية المجتمع و سيطرتها على مفهوم القوامة و التبعية و الطاعة.
-سيطرة النهج الاستهلاكي و الاهتمام المتزايد بالكماليات دون الضروريات.
-استهانة المجتمع بالميثاق الغليظ و الاستهتار لدرجة القيام بجريمة خنق الأسرة ككائن حي .
-شبه انعدام الحكم الرشيد لدى أهل الزوج و أهل الزوجة .
و يا لهذا الجيل الحاضر الذي تربى على الفرقة والطلاق و سرداب اللاهوية الأسرية، أنى له أن يبني أسرة غدا و يحافظ عليها،
المشكلة باتت ظاهرة.. و المجتمع الذكي هو الذي يمحص ظواهره و يقتلها بحثا و تفنيدا في محاولة للعلاج .. و المسؤولون في جميع المؤسسات التربوية مساءلون عن هذا العبث القائم في المجتمع .. أطفال بلا تربية حقيقية نتاج الطلاق ، أضف إليه أن غالبية البيوت القائمة و التي تصنف أنها متماسكة تعاني من شعار " لكم دينكم و لي دين" فكل من الزوجين هائم في دنياه حفاظا على أسرة لايربطها سوى جدر و سقف وباب خشبي، و هوية واحدة في بطاقة العائلة .
و نسى الجميع ..
أن العلاقة بين الزوجين ليست لجارين في فندق بل هي علاقة كاملة من عشق و عطاء و متعة و اندماج و تفاهم .. حياة متكاملة .. إن وجدت أن زوجتك لاتشبعك لا بأس تزوج .. فقط اعدل أو طلق من لايميل لها قلبك .. إن كنت لا تطيقين زوجك تطلقي خيرا من أن تخونيه ..إن استحالت الحياة بعد صبر و تضحية طويلة مرحبا بالطلاق، إن تبدى أن لافائدة ترجى بوجود عيب شرعي فمرحبا بالطلاق، و ليس في أول شهر و بعد أول أسبوع أو من أجل دعوة منعني من حضورها و منديلا لم أضعه في جيبه ..
اختلت المعايير في المجتمع و اختياراته،
و اختلفت الدوافع و التبريرات، و سيطرت المادة على كثير من القيم و الأخلاقيات .. و سادت السطحية بين أغلب طبقات الشباب و الشابات و لحق بركبهم الكهول، و ساعد في ذلك هيمنة التقنية و أدواتها على حياة و وقت العموم من الناس فحتى فن الحديث و استخدام الكلمة أصبح من أطياف الماضي.
بالطبع كل مقالي لايمكن تعميمه بل نتحدث عن شرائح من الناس و أنماط من الظروف.
لازلت أقول ..
درة وهج:
في كل هذا الازدحام و هذا الزخم
أبحث إصرارا عن رجل ..
لايشبه الباقين لا يبد السأم ..
رجل يحب كعنتر و شهم كمعتصم
يطير بي علوا على عجل ..
نحو مجرة أخرى و كوكب بألف نجم ..
رجل يهوى نقاشا على مهل ..
يشبع قلبا و فكرا ومسام جلدي و العظم ..
رجل بحسن يوسف قد اكتمل..
رجل و ليس مذكرا .. فيه الشهامة و الشمم ..
رجل هو فارس و هو الرجل ..
و أنا له كل النساء .. و بعدي كل النساء له عدم ..
التعليقات 3
3 pings
صالحة بنت عمر
10/04/2021 في 6:17 م[3] رابط التعليق
درر ماتكتبينه دكتورة فاطمة ..
بارك الله في قلمك وفي عقلك النيّر ..⭐️
(0)
(0)
احمد الخالدي
10/04/2021 في 6:24 م[3] رابط التعليق
ابداع يادكتوره فاطمة
مقالك تناول موضوع في غاية الاهمية
شكرا لك علىهذا الطرح الاكثر من راااااائع
(0)
(0)
د. محمود ضيف الله الثمالي
11/04/2021 في 9:47 ص[3] رابط التعليق
الدكتورة فاطمه تتحدث من أعماق القلب ممزوجه بكتلة من المشاعر لتعزز الإنصاف وكلمة الحق ومناصرة الجنس ومحاولة تقويم وتقييم النتوءات الإجتماعية بإسلوب راقي برقي المجتمع السعودي مقال جميل ورائع يضيف ولا يضاف إليه شكرا شكرا دمت في نماء فكري راقي.
(0)
(0)