فتحتُ صندوق الذاكرة العتيق الذي حوى الكثير من الرسائل العَقِيرَة، صور باهتة بأشلاء موجعة تقصف الروح، مواقف مهمشة على قارعة الحنين، صخب وضجيج يمزق فؤادي إرباً مهترئة، يا لها من مقتنيات ذات عزفٍ عجيب، بين ثناياها ضحكات قاحلة، وجلد تحدى الأفاق، غير أنه انتزع ما تبقى من سنين عمري الغابرة.
قررت إخفاء تابوت الذكريات العقيمة، ليسقط آخر معقل من معاقل الذكرى المزهرة والأليمة العوراء من محيط عالمي، فلم أعد أكترث لوجود بعض الأشخاص، لأنني أسقطتهم عمداً من محافل ذكرياتي، وانتزعتهم من أحشاء بساتين روحي، لأصارع وحدي في ميدان البقاء واستبسل بقرار مكين، قبل أن أخّر صريعة وتُقتل ألحان مشاعري، مشكاة أحاسيسي، وتتوقف أنفاسي في حنجرة الصمت، هنا تم بتر كل المؤمرات المريبة التي تحاك من خلف الكواليس.
كل ما أعرفه أنني شمعة تئن وتحترق، لتنير عتمة الطريق للغير، أفنيتُ الكثير من حياتي، أعلمهم التصويب، القنص، الرمي والتسديد، فحينما قوي عودهم واشتد ساعدهم، رموني بأقبح الكلمات المريرة، تفيهقوا بأبشع المعاني الحارقة، ليصبح فانوس النكران من صفاتهم، ومصباح الجحود من أخلاقهم، فإذا اسْتَعْبرتُ نعتوني بالبراعة في التمثيل، أو أنها دموع التماسيح التي أذرفها لأكسب التعاطف لكي أصل إلى غاية ما ! رباه إلى هذا الحد وصلوا ؟ عجباً لأمرهم !
شعرتُ بأنني عبئاً وخماً كالجبال على القلوب، ومصدر ازعاج كالخوار على الأسماع، لذلك أيقنتُ أن العزلة عن البشر واجبةٌ في طقوسي، وأنَّ التضحية من أجل الآخرين محرمةٌ في قانوني، والتقرب منهم باطلٌ في دستوري، والأصل رمي حقائب ارشيفهم في محطات النسيان فلا تعود منها جنائز الراحلين في شريعتي.
سأبقى عكاز نفسي يلتحف حانات قلبي عبق الحِلْم والأناة، وألقي بجسدي الغض بين أغصان الراحة، شهيقي وزفيري بين كفوف الهدوء، وقلبي بين غيث السكينة، لن أترك ذئاب الوقت تسرق مني نجوم الأمال التي تخطت الآلام، فرغم أمنياتي المبتورة، وأحلامي المثقوبة، إلا أنني ما زلت أناجي رب الأرباب، ببشارات تهطل من نوافذ القدر جدائل تحقيق دعواتي غدقاً مجللاً .
نبضة :
اطمئن يا قلبي غداً سيجبر الرحمن لك الكسور .. وتترنم السعادة وتتراقص كالورد المنثور ..