لازلنا نبحر في محيط قصة يوسف عليه السلام..
ها قد كبر وصار شابا و أتاه الله حكما و علما فقد كان من الصابرين المحسنين..
وكان سيدنا يوسف آية من جمال.. وقيل قد أعطي شطر الحسن و قد أوردت في مقال سابق وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم له حين رآه في رحلة المعراج..
كبر الغلام وصار فتنة لمن يراه، وقد تربى في بيت العزيز وعاش في كنفه وزين الشيطان لامرأة العزيز جمال هذا الشاب و وسامته..
يقول تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (23)..
راودته أي دعته إلى مواقعتها والمتعة معها وأغلقت أبواب القصر بابا بعد باب و هيأت الأجواء لتستفرد به و تظفر ، وقالت (هيت لك) و اختلفت التفاسير في معنى هذه الكلمة فقيل بأن معناها (هئت لك) أي "تهيأت لك" أي استعدت له وتزينت ، وقيل أنها من لغة أهل حوران ومعناها "هلم لك" أي تعال و أقبل و ادن و اقترب و لاتخف وقيل كلمة سريانية تعني هلم لك ، فكانت تشجعه على النيل منها ومواقعتها، فكان رد النبي التقي، و الفتى الصالح سليل الأنبياء على هذا الإغراء العظيم والمراودة المترفة بأن رفض مستعيذا بالله من شر فتنتها ومستعينا به و مستنكرا أن يدنس شرف الرجل الذي أكرمه فقال : إنه سيدي (يعني العزيز) قد رباني واستأمني على بيته ومنحني الكثير فلا أخونه أبدا فقد أحسن مثواي أي اقامتي لديه وتربيتي طوال سنوات، ولو فعلت لأصبحت من الظالمين و لايفلح الظالم.
وفي الخبر أنها قالت له : يا يوسف ! ما أحسن صورة وجهك ! قال : في الرحم صورني ربي ; قالت : يا يوسف ما أحسن شعرك ! قال : هو أول شيء يبلى مني في قبري ; قالت : يا يوسف ! ما أحسن عينيك ؟ قال : بهما أنظر إلى ربي . قالت : يا يوسف ! ارفع بصرك فانظر في وجهي ، قال : إني أخاف العمى في آخرتي . قالت يا يوسف ! أدنو منك وتتباعد مني ؟ ! قال : أريد بذلك القرب من ربي . قالت : يا يوسف ! القيطون فرشته لك فادخل معي ، قال : القيطون لا يسترني من ربي . قالت : يا يوسف ! فراش الحرير قد فرشته لك ، قم فاقض حاجتي ، قال : إذا يذهب من الجنة نصيبي ; إلى غير ذلك من كلامها وهو يراجعها.
وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله ، فألقى عليه هيبة النبوة ; فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه .
ثم يقول تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (24)
ولقد همت به وهم بها ، أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به ; فبين الهمتين فرق ، فهذا كله حديث نفس من غير عزم . وقيل : هم بها تمنى زوجيتها . وقيل : هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه ، والبرهان كفه عن الضرب ; إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها . وقيل : إن هم يوسف كان معصية ، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين لولا أن رأى برهان ربه أي لولا رؤية برهان ربه، وهذا البرهان غير مذكور في القرآن ; فروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال : ما تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة ; فقال يوسف : أنا أولى أن أستحي من الله ; وهذا أحسن ما قيل فيه ، لأن فيه إقامة الدليل . وقيل : رأى مكتوبا في سقف البيت ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا . وقال ابن عباس : بدت كف مكتوب عليها وإن عليكم لحافظين وقال قوم : تذكر عهد الله وميثاقه . وقيل : نودي يا يوسف ! أنت مكتوب في ديوان الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ ! وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدران عاضا على أنملته يتوعده فسكن ، وخرجت شهوته من أنامله، في المجمل أنه رأى آية من آيات الله ليثوب و يرجع عما هم به وصرف عنه المولى سبحانه السوء و فاحشة الزنا فهو من عباده الذين أخلصهم لرسالته.
و يستفاد من هذا الحدث أن الرجل قد يقع في حبائل الرغبة لكن عليه أن يذكر نفسه بتقوى الله و خشيته، كما أنه من الواجب الاحتراز و الابتعاد عن خطوات الشيطان للزنا مثل الخلوة و رفع الكلفة بين الجنسين.
ولا يقصد من ذكر هم سيدنا يوسف التشهير به و برغبته في الفاحشة بل المقصود التأكيد أن الحفظ بيد الله و ألا يصيب الإنسان العجب بنفسه و تقواه بل عليه أن يطلب من الله الرشد و الحفظ و البعد عن الغواية دائما .
و القصة الرائعة بلغت ذروتها فانتظرونا غدا .
التعليقات 1
1 pings
بدر عبدالله - حائل
21/04/2021 في 8:52 ص[3] رابط التعليق
ما شاء الله تبارك الله دكتورة فاطمة دين ودنيا
المام بأغلب المجالات
أسمع عن هذا الموضوع وعن قصته عليه السلام
ولكن عرضكم جميل بطريقة أجمل
(0)
(0)