مازالت قصة يوسف عليه السلام تزيدنا تشويقا وتأثيرا ..
يقول تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (30)
أخذت النساء تتحدث بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في المدينة , وشاع من أمرهما فيها ما كان، فلم ينكتم , وقلن: امرأة العزيز تراود فتاها أي عبدها ، عن نفسه وهكذا شاع الحديث في المدينة وصارت سيرة امرأة العزيز على لسان النسوة، ويعني بالعزيز، الملك
وقوله: (قد شغفها حبًّا) ، يعني أنه قد وصل حبُّ يوسف إلى شَغَاف قلبها فدخل تحته، حتى غلب على قلبها، و" شَغَاف القلب ": حجابه وغلافه الذي هو فيه.
وقال ابن عباس :شغفها أي علقها حبا، وقيل هلكت عليه حبا.
و استنكرت النساء هذا الصنيع منها و قلن إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه، وغلبة حبه عليها، لفي خطأ من الفعل، وجَوْر عن قصد السبيل.
و جاء رد امرأة العزيز عليهن بطريقة عملية و بكيد أنثوي آخر فوجهت لهن دعوة،
قوله تعالى : (فلما سمعت بمكرهن) أي بحديثهن ,( أرسلت إليهن) أي أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف،
(وأعتدت ) أي،" أفعلت " من العتاد , ، وهو العدَّة ومعناه: أعدّت لهن متكأ أي مجلسًا للطعام , وما يتكئن عليه من النمارق والوَسائد، عن ابن عباس:قال في تفسير قوله تعالى (وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينًا) أي: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكّينًا، ثم : (وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) ، وقالت امرأة العزيز ليوسف (اخرج عليهن) ، فخرج عليهن يوسف ، فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللْنه لجماله و بهائه.
فقطعن أيديهنّ حزا حزا بالسكين بدون أن ينتبهن لذلك وسالت الدماء , فقلن: نحن نلومك على حبّ هذا الرجل , ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء !
قد ذهبت عقولهن مما رأين..
وقلن (حاش لله) أي :معاذ الله، و قلن ما هذا بشرًا , لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدًا , فقلن: لو كان من البشر، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر , ولكنه من الملائكة لا من البشر.
قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن , فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه , وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق فقالت: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) ، أي استعصى و لم يفعل بل امتنع.
ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ، ( ليسجنن )، تقول: ليحبسن وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن ولأهينَنَّه.
وهذا الخبر من الله يدلُّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه , وتوعَّدته بالسّجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه، و " السجن " هو الحبس
فاختار النبي التقي الحبس على الإثم و الفاحشة..
وإن لم تدفع عني، يا رب، فعلهن الذي يفعلن بي، في مراودتهن إياي على أنفسهن فلربما " أصب إليهن " ، أي : أمِلْ إليهن وأتابعهن على ما يُرِدن مني ويهوَيْن، وحينها أكن ممن جهلوا و فعلوا المعصية.
فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله، فالله تعالى
هو السميع لدعاءَ يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاءَ كل داع من خلقه ، و(العليم) بمطلبه وحاجته وما يصلحه وبحاجة جميع خلقه وما يُصْلحهم.
ثم يقول تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) للأسف بالرغم من الدلائل على برائته مما اتهم به، من شق قميصه من دُبر ، و خمش الوجه و تقطيع النسوة لأيديهن، و مع ذلك غير العزيز رأيه و رأى أن يسجنه إلى مدة غير معلومة إلى أن يصلوا إلى رأيهم.
وجعل الله ذلك الحبس ليوسف، فيما ذكر، عقوبةً له
من همِّه بالمرأة وكفارة لخطيئته .
وقيل في تفسير ذلك أن
المرأة قالت لزوجها: إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستَني ، فكان أن حبسه.
و قيل الفترة المقصود بها إلى حين أي سبع سنين.
و يلاحظ هنا كيف احتمل يوسف هذا الابتلاء، حين تكالبت عليه الفتن من نساء و سجن و اتهام بالزور و ظلم، وكيف أنه فضل السجن على الفحش و المعصية و هذا ديدن الأتقياء.
و كم من بريء قد أتهم زورا و كم من عفيفة قد قذفت بجرم لم تفعله لذا يجب عدم تناقل الشائعات و لا رمي الناس بدون برهان، و إن توفر البرهان فالأولى ألا نلوك في أعراض الخلق، كما من الإحسان ألا نتهم كل سجين بالجرم و الانحراف فلربما يكون بريئا.
و..
نكمل غدا بإذن الله أحبتي القارئين .
- 22/11/2024 أمانة الطائف تنفذ مبادرة “المراقب المجتمعي”
- 22/11/2024 حالة الطقس المتوقعة اليوم الجمعة
- 21/11/2024 هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة عسير تفعّل المصلى المتنقل بواجهة عسير البحرية مع انطلاق شتاء المنطقة
- 21/11/2024 تنظيم ملتقى الخطباء الثاني بمنطقة مكة المكرمة
- 21/11/2024 سلسلة من المناشط الدعوية ضمن البرنامج الدعوي المصاحب لشتاء جازان تنفذها إسلامية جازان في عدة محافظات
- 21/11/2024 الشؤون الإسلامية في جازان ممثلة بمساجد صبيا تقيم مبادرة تطوعية “فرحة يتيم”
- 21/11/2024 إسلامية جازان تُنظم عدة محاضرات دعوية بمحافظات هروب والريث والعارضة
- 21/11/2024 الشؤون الإسلامية بجازان تنظم عشر محاضرات دعوية رجالية ونسائية بمحافظة بيش
- 21/11/2024 الشؤون الإسلامية في جازان تقيم مناشط دعوية في محافظة بيش وتمنح ساعات تطوعية للمشاركين
- 21/11/2024 أمير منطقة نجران يدشّن جمعية مناسبات للثقافة والترفيه بمحافظة شرورة
المقالات > ابتلاء و سجن
✍️ - د. فاطمة عاشور
ابتلاء و سجن
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.albayannews.net/articles/158270/
التعليقات 2
2 pings
ابو محمد
23/04/2021 في 1:00 ص[3] رابط التعليق
رااائعة كعادتك في الاختيار والطرح.. لاعدمنا هذه الروائع منك د. فاطمة جهود تشكرين عليها.
(0)
(0)
محمد الزهراني
24/04/2021 في 7:21 م[3] رابط التعليق
ماشاء الله عليك دكتورة فاطمة اختيارك لقصة نبي الله يوسف عليه السلام والتذكير بالقصة لكي نستذكر مادار فيها اختيار في غاية الروعة وفقك الله وحفظك من كل سوء
(0)
(0)