قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النُّورِ : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } ، [النور : 31] .
أَوَامِر صَرِيحَةٌ مِنْ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنَات أَنْ يَضَعْنَ خمارهن عَلَى رؤوسهن و لايظهرن زِينَتَهُنّ لِلْأَجَانِب فالزينة هِيَ مَا يَظْهَرُ مِنْهَا الْفِتْنَةُ
فالحجاب قَانُون شَرْعِيّ غَايَتُه حِفْظِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي تُوضِحُ أَهَمِّيَّة الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ وَكَيْفِيَّة الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ يُعْتَبَر عُبَادَة فَهُو مَطْلَبًا شَرْعِيًّا يَسْتَوْجِب تَطْبِيقُه طَاعَة تَامَّةٌ
وَلَكِن ظَهَرَت ظَاهِرِهِ مِنْ ظَوَاهِرِ الِانْفِتَاح و التَّطَوُّر الَّتِي شكلت مَفْهُومًا جَدِيدًا لِهَذِه الْعِبَادَة وَلِصُورَة الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ سُمِّيَت بموضة الْحِجَاب
الَّذِي مِنْ الْمُفْتَرِض أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا أَصْبَحَ مِنْ أَكْثَرِ مَا يَلْفِت الأَنْظَار
حَيْث يَتَشَكَّل بأنواع التَّبَرُّج والموضة وَتَجْرِيد النِّسَاءُ مِنْ الْإِنْسَانِيَّة وَتَحْوِيل أجسادهن إلَى أَدَّاه فَارِغَة لَا يَحْوِي أَيْ قِيمَةُ لَلْأَسَف فَهُوَ يُؤَدّي بِهِمْ إلَى الِانْحِدَار الأخْلاقِي وَسَبَبُه غِيَاب الْوَازِع الدِّينِيّ
إنَّنِي أصدم بِشَكْل شَبَّه يومي عِنْدَمَا أَرَى بناتنا وأخواتنا غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا قَيِّمُهُم ومبادئهم وَأَخْلَاقِهِم لشعارات فَقَط ، تُقَابِلُهَا ممارسات خَاطِئَة تَخْلُوَ مِنْهَا
وَذَلِك بِتَغْيِير لِبَاسٌ الْحِشْمَة إلَى لِبَاسٌ الموضة وَالشُّهْرَة صُوَر لفتيات أنيقات يرتدين أَجْمَل الثِّيَاب ويضعن الْحِجَاب وَهُوَ لَيْسَ بِحِجَاب إنَّمَا هُوَ مِنْ تَكْمِلَة الزِّينَة لايسترن أجسادهن و لَا صدورهن ويحرصن فِي الظُّهُورِ بأجمل صُورَة لِغَرَض لُفَّت الِانْتِبَاه غَيْر خَصَلَات الشَّعْر المُنسَدِلَةِ مِنْ الْحِجَابِ بَيْنَمَا أُخريات خلعن غِطَاء شُعُورَهُنّ خطوة تَلِيهَا خَطَوة نِهَايَتِهَا خَلَع الْحِجَاب وَلَقَد قَامَت بَعْضُهُنّ بِنَزْعِه فِعْلًا تَحْت إدعاء أَنَّهَا حُرِّيَّة شَخْصِيَّةٌ وَرَغْبَة بمساواتهن بِالرَّجُل
تَصَرُّفَات وأَفْكَار عَشْوائِيَّة سَبَبُهَا الإنفلات الدِّينِيّ وَضَعَّفَ فِي الْإِيمَانِ وغياب التَّرْبِيَة الصَّالِحَة عَرَت هويتنا الدِّينِيَّة والأخلاقية والحضارية
يَبْدَأ المشوار بِالتَّخَلِّي عَنِ الْمَبَادِئِ وَالْقَيِّم ، وطبعاً قَبْلَهَا الدِّين ،كَوْنِه هُوَ أَصْلُ الْقَيِّم وَنِهَايَتُهَا الْوُقُوعِ فِي مستنقعات السُّوء فالتهاون فِي الْفَرْعِ كالتهاون فِي الْأَصْلِ
أَنَّا لَا أُنْكِرُ حَاجَتُنَا نَحْن النِّسَاءِ إلَى التَّزَيُّن وَالظُّهُور بأجمل صُورَة إن اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَنَظَافَةِ الثِّيَابِ وأناقته مَطْلَبٌ دِينِي
فقد رَاعَى دِينِنَا الْإِسْلَامِيّ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا قُيُودًا مُسْتَحِيلَةٌ فِي ارتدائنا لِلْحِجَاب و أَن تَطْبِيقُه وسطيا فَلَا إفْرَاطٌ فِي إلْقَاءِ الْأَوَامِر وَالتَّضْيِيق عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحَجَّبَة وَلَا تَفْرِيطٍ
وَلَن أَخُوضُ فِي الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ وأترك هَذَا الْأَمْرِ لِأَهْل الِاخْتِصَاص الشَّرْعِيّ لكنّ مَقْصِدِي هُو خَوْفِي و حِرْصِي عَلَى فتياتنا وَلِتَوْضِيح وَجْهَة نَظَرِيٌّ وَهِيَ التَّهَاوُن بِالسِّتْرِ وَلُبْسِ الْحِجَاب لِأَنَّه يُمَثِّل الْمَرْأَةِ ذَاتِ الْمَنْبَت الصَّالِح ومدى رَقِي أخلاقها و توعيتها وَتَرْبِيَتَهَا
وَخِتَامًا
لِتَعَلُّم كُلّ أُنْثَى أَنَّ الْحِجَاب هُوَ لِلْحِفَاظِ عَلَى أنوثتها لَا حجباً لَهَا عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ لَيْسَ عائقا فَكَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ أدَّينَ دوراً فاعلاً فِي كُلِّ الْجَوَانِبِ الحياتية عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُنَّ كُنَّ عَلَى قِمَّةِ التَّدَيُّن والخِدر وَالْعَفَاف
وَإِن الْحِجَاب يَصُون وَيَحْفَظ كَرَامَة الْأُنْثَى و يُلزِم الرِّجَال بِضَرُورَة احْتِرَامُهَا وَوَضَع حدوداً لَهَا
بِخِلَاف التَّبَرُّج فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الضَّوْءَ الأَخْضَرَ الّذِي يَمْنَح الْجَمِيع بِالتَّمَادِي و بِالنَّظَرِ إلَيْهَا