لم يكن يوماً كتلك الأيام الواهنة، بل قبلة السعد على جبين الدهر الأغر، ولم تكن صدفة كباقي الصدف بل إنه القدر الذي نفخ بذرة أمل ببعث جديد، ليرمم أشرعة الأفراح المستباحة التي كسرتها أمواج الأتراح الطاغية، لكن ما زال النبض يقتات من رفات معجم الأقدار المجهولة، فتسقيني الأيام العجاف كؤوس حنظل متناثرة في قمقم الرق، على مائدة السيف البتار ليقتل فتاة أمنياتي العذراء.
كنتُ أحبوا على صراط اللهفة، أعد ثواني الإعجاز الباهرة، أحسب دقائق الأسرار الماطرة، وانتظر ساعات الإثبات الدامغة، لظلي الأبدي، نعيمي ولذتي، صحوتي وسكرتي، حياتي ومماتي، بل كأني أعرفه منذ ولادتي، لأنني ارتديته عمراً لا يفنى، سكناً ومستقراً لا يبلى، فرغبتُ أن يرسو نبضي النائم في ميناء قلبه الهائم بالقرب من شاطئ روحه الآمنة، لنحمل معاً رايات معجزة العهد المكين بأنفاس اليقين المزركشة على أعوامٍ يباس.
إلا أنها تاهت في طرقات الأعراف الجائرة، انتحرت في قاموس العادات المستبدة، فماتت على أرصفة التقاليد المتعسفة، فصاعقة الحديث كانت دماراً شاملاً شلت ما تبقى من الحياة، فأقام جنود احتلال الوجد صلاة الجنازة على أسوار محراب مضغتي الهردبة، يطوفون سبعاً حول جذور أركاني المنتحرة، يقرأون تمتمات الحب المحظور على ناصية الحرمان، المغزولة بألوان الكتمان، بين ضفافها دموعاً بائسة وروحاً مكبلة، لتنطفئ نجمة بارقة كانت تقرع أبواب الليل حبوراً صداحاً.
رغم خضم الوعود في عمر السنين، إلا أنها لم تنضج شموع الحلال، بل كانت سحر العرافين في ميدان بحر ثمالة الغارقين، فيا جمرة العشق كوني برداً وسلاماً على روحي المنهكة، وعلى فؤادي الذي تبعثر من جلجلة الإعصار، حينها دقتْ أجراس المعابد والكنائس ودور العبادة لتعلن الهزيمة في زمن المستحيلات.
همسة :
قرعت طبول النضال رغم الأعاصير الهوجاء، فوجدت أعلام الخيبة ترفرف لي بسخاء.