يأتي المساء لينفض عنا تعب اليوم بأكمله بسهرة مع الأهل والأحبة والأصدقاء فالمساء لا يحلو إلا بالصحبة الجميلة وما أجملها تلك السهرات المسائية مع العائلة حين تتعالى الضحكات والنقاشات وتفرش الطاولات بأطيب المأكولات والمشروبات ويجلس الأب ليسمع أبناءه قصصاً ومغامرات عن أيام الشباب ويمضى الليل وسكونه دون أن يشعروا .
تهرب الأمهات بعد يوم طويل من عناء الأطفال لتجد مستقر لها بين سكون الليل لترتاح من ضجيج يوم حافل بين مطالب الأطفال فمساء الأمهات ليس كمساء أي شخص آخر فهو الملجأ وهو السكن وهو الراحة لتعاود نشاطها من جديد في صباح مليء بالأحداث مليء بالمشاغل تقوم فيه بواجباتها وتنتظر المساء لتلقي فيه هموم النهار وتعاود من جديد.
المساء يجدد سعادة للناجحين في الحياة مساء يختلف عن مساء غيرهم  فالنجاح ذكريات أليمة يملأها الصبر والجد والسهر فلا يوجد نجاح بدون سهر وتعب ولا يوجد سهر بدون جد وللفشل طعم آخر يختلف كلياً عن طعم النجاح فالسهر للفاشل ألم وحسره وهروب من واقع يعيشه نهاراً ومساء فتراه يهرب إلى ما يزيده فشل ليرى الفاشلين أمثاله كي يرضي نفسه بوجود أمثاله أو لمراجعة النفس ومحاولة الوصول إلى الطريق الصحيح وباختصار فمساء الفاشلين هو مراجعة أو هروب وليس بينهم إلا خط رفيع لمن لدية عقل يتدبر به .
ولك أن تتخيل كيف يجد الشعراء ضالتهم فالمساء للشاعر الأرض الخصبة لإنبات الشعر فكم من شاعر أبدع وعبر فصفاء الأجواء تجعل من المشاعر في حالة من حالات الغموض والرقي والرفعة فيجد عقلة يملي على يدي الشاعر أرق الكلمات واعذبها وبدون أي تدخل منه فقط صفاء العقل وإلقاء ما به من مشاغل ومن هموم تعكر صفو التفكير وتسد الأفكار وقد كتب الشعراء قديماً عن ( الليل ) و اسموا دواوين باسم الليل وكم من ليل حمل أشعار وحفلات شعر وكم من تجمع لسماع ما كتب عن سحر الليل.