يًُكثر الكتاب والرواة من كلمة قال أبي ، أما أنا هنا فاسترجع التاريخ القريب بما كنت أراه من أبي ذلك الشيخ الجليل جميل النفس _رحمه الله _ وماكنت أرى فيه من صدق الولاء والإنتماء للوطن وقادته _حفظهم الله_.
مازالت تلك الصور ترتسم أمام عيني _ وأنا طفل لم أدرس بعد _ صور ذكرى وفاة الملك خالد رحمه الله وألمها وحزنها في عينيه وعيون العشيرة والقبيلة رجالا ونساء شيبا وشبابا ، نعم مازالت ترتسم أمام عيناي حتى هذه اللحظة وتداعيهم وحثهم لبعضهم البعض للذهاب إلى مجلس الأمير خالد الفيصل لإعطاء البيعة واستحضارهم لقصص أسلافهم أثناء مبايعتهم لممثلي الملك عبدالعزيز في القاعة(قاعة ناهس) وهم صاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي والشيخ عبدالرحمن الراشد يتذكرون مايرويه السلف للخلف وهم يوضحون طريقهم من موطنهم في ( بلاد وقشة بالسراة ) أعيانا وكبارا على ظهور الجيش (الإبل ) يعلنون بصوت واحد ومن خلال أهازيجهم الشعبية الشجية المؤثرة والمثيرة للحماس فيما يعرف ب( الزامل) وكلماته التي خلدها التاريخ الشفهي المتوارث مبايعتهم للملك عبدالعزيز إماما للبلاد ،لم يكونوا لوحدهم فقد شاركت أغلب قبائل المنطقة هذه المناسبة العظيمة وهم فرحين بعودة العدل والتوحيد والوحدة مرة أخرى ، ترى من خلال وجوههم مشاعر الحب المزروعة في قلوبهم منذ بيعتهم للدولة السعودية الأولى...
و هم في هذا السرد التاريخي الجميل المليء بالفخر والحب ، تأخذهم الذكرى إلى فجيعتهم بوفاة الملك المؤسس والخوف الذي خيم عليهم وعلى أبائهم وأمهاتهم وعلى جميع البلاد والقبائل والشعب خوفا من تداعيات تعيدهم إلى فوضى أمنية وجهل وفقر حاربها الملك المؤسس ، كما حارب دعاة الانقسام والفرقة ، ووحد هذا الكيان العظيم تحت اسم واحد ، وما يزالون يذكرون تلك العرايض والمطالبات التي رفعت من جميع أبناء الشعب لمقام الملك عبدالعزيز رحمه الله تطلبه توحيد الجزيرة العربية تحت اسم واحد ( المملكة العربية السعودية ).
كنت ولا زلت أحفظ تلك الصور في عيني وعقلي فالطفل ذو ذاكرة حديدية ، ومما تطرقوا له سيرة الملك سعود ، وزياراته التاريخية للمنطقة الجنوبية وكرمة الذي جعل أبناء شعبه يلقبونه ( أبو خيرين ) .
ثم تعرج بهم الذكرى إلى بيعتهم للملك فيصل التي سجلت في بيانات ، وتم توقيعها لرفعها للمقام السامي ويتذاكرون وهم في حزن استشهاده ويحثون بعضهم يدفعهم الحس الديني العميق ، والحب لهذا الوطن والولاء المنقطع النظير لهذه القيادة الرشيدة عبر التاريخ لا رهبة من أحد ولا رغبة بل حب وإخلاص .
تستمر المشاهد السرديه على ألسنتهم رحم الله أمواتهم وأطال في عمر أحيائهم فيتذاكرون تولي الملك خالد الملك _الصالح_ الحكم من بعده وفي عهده كانت أيام الطفرة والخير.
ويتواصل الخير بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الحكم ، ولا ينكر أحد ما رأيناه وعايشناه في عهده من ازدهار وأحداث عظام أدارها رحمه الله بكل اقتدار ، خلفه في كل ما سبق الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك القلوب والإنسانية _رحمهم الله جميعا _.
ونحن بإذن الله كأسلافنا في صدق الولاء لقادتنا و صدق الانتماء لوطننا، وفي هذا العهد الجديد عهد الحزم والعزم والرؤية الموفقة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أيدهم الله بنصره وأعانهم والذين جعلوا لذكرى الوطن ويوم توحيده وقع خاص من عظمة اقتصادية عالمية ودور سياسي مؤثر وقوة عسكرية تحمي الوطن والمقدسات وتضرب بكل حزم وعزم أعداء الوطن أنه عصر السعودية العظمى بكل بهاء وجلال وقوة..
من ذكرياتي الجميلة لوالدي _ رحمه الله _ شغفه بالعلم ومن ثم حرصه الشديد على اطلاعي وتنوع قراءاتي ، أذكر أنه _رحمه الله _ دفع لي بعدد من الكتب لأقرأها قبل أن أصل الصف الثالث الابتدائي ، أذكر من أهمها كتاب للتاريخ السعودي يحكي قصة توحيد هذا الكيان العظيم تحت قيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعه ، كان الكتاب موجه للأطفال في حينه برسوم شيقة وكلمات مختصرة مؤثرة مما جعلت الشغف يزيد عندي حتى قمت بطلب المزيد من كتب التاريخ ، وأنا في الصف الخامس أو السادس لا أذكر الآن ، ولكن ما أذكره جيدا المعلومات الثرية التي فصلت الحديث عن قيام الدولة السعودية الأولى ، ثم سقوطها على يد العدو العثماني الاستعماري المدعوم من قوى استعمارية ، والذي فشلت أهدافه بقيام الدولة السعودية الثانية ثم الثالثة حتى هذا العهد المبارك الذي جدد حياة الدولة التي عمرها تخطى العام الحادي والتسعين إلى المئة وإلى الأبد _ بإذن الله _ بخطوات ثابتة شابة بفضل الله ثم القيادة الرشيدة والرؤية الموفقة التي انبثقت من رؤية ملهمة من قائد ملهم ، له منا صادق الدعاء وخالص الولاء.
دمت يا وطني عزيزا شامخا أبيا منصورا ، شعبا وفيا صادقا وحكاما حكماء شجعان أقوياء في ظل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.