لدي نهمٌ مفرطٌ في الحديث عن بعض الصعاليك في مواقع "السوشيال ميديا "، عندما أعود بأحفاد ذاكرتي للوراء ، أجد أن قناديل الشهرة كانت سابقاً من نصيب ذوي الإنجازات العظيمة, كالمخترعين, المثقفين, المفكرين, العلماء والأدباء, فيشار إليهم بالبنان, ويُثنى عليهم، ويظهرون كالأعلام فوق هامات السحب, هؤلاء الذين أبحروا في ميادين العلم والمعرفة, للارتقاء بالمجتمعات وخدمة البشر في شتى المجالات ، رحم الله تلك الأيام الجميلة التي رحلت وانقضت ، زمن المبادئ الكريمة, القيم الجليلة, العادات والتقاليد الرفيعة, والتي للأسف هَرِمت واندثرت مع فئة الجيل الساذج.
لتظهر لنا حفنةٌ غوغائيةٌ تتسم بالنهيق المزعج, خوارٌ مؤذٍ , نهيقٌ وخيم , فحيحٌ وبيل ونباحٌ ضار, فيعرضون مفاتنهم كالشياه , ويخاطبون الغرائز بكل قبحٍ, فتُصاب آذاننا بالتلف, تتلوث أعيننا بالقذى, وتتقيح قلوبنا بالدنس , بمحتواهم الهابط الذي يقدم على طبقٍ من ذهب شكلاً ومضموناً, لتصبح متابعتهم من بعض المصفقين والداعمين كوجبةٍ دسمةٍ يومياً لا غنى عنها, فيكثر الغثاء ترويجاً وكذباً, تهييجاً وانتحالاً، ضجيجاً وتدليساً, فنشاهد خللًا في القيم، عفنٌ أخلاقيٌ واضطرابٌ نفسي, وكل ذلك من أجل وشاح الشهرة, وموائد المال, فيقع فلذات أكبادنا, فضلاً عن بعض الكبار , فريسةً لمقاطعهم النتنة، وكل هذا يحدث في ظل غياب الجهة الرقابية عن هؤلاء الحمقى .
لقد كانت شبكات التواصل الاجتماعي من ذي قبل ممتعة، شيقة، هادفةٌ ومفيدة, أما الآن بدت وكأنها حروب فضائح هوجاء, ملحمةٌ لهتك الستر , وساحة استهزاءٍ واستخفافٍ بعقول البشر ، صدقاً باتت أقوالهم وأعمالهم تشمئز منها النفوس، تنفر منها الطباع وتنكرها الفطرة ، حقاً لا أعلم ما الذي يحدث، وما الذي يُحاك ..!؟
للأسف إنها الطامة، حين أصبح المشاهير يحتلون مكانةً عالية, ويتقلدون مناصب مرموقة، ويتصدرون المجالس, وعاثوا في "الميديا "فساداً، بينما هم في الحقيقة لا يستطيعون حل رموز أبجديات الثقافة, الخبرة والفكر , بل ينشرون ما لا ينفع ولا يجدي, ويجاهرون بالمعاصي, حتى أصبح لديهم مرضٌ عضال ، باسم "الشهرة" ولو كان على حساب الآخرين فيدفنوا "الضمير" في ضريح الظلمات، وهذا ليس إلا هدماً للدين والأخلاق ، وتهديداً للنسيج الثقافي والفكري للفرد والمجتمع .
لذلك يجب محاسبة هؤلاء ومن على شاكلتهم فيما تتضمنه رسائلهم الرديئة, إشعاراتهم وايحاءتهم الخبيثة، للحفاظ على النشء الجديد من رياح الساقطين, عواصف المبتذلين وزوبعة التافهين, قبل تفاقم الأمور وحدوث ما لا يحمد عقباه, ونتمنى من المتابعين الكرام دعم وتشجيع المشهورين المتميزين النافعين للوطن والمواطنين, نسأل الخالق الهداية والصلاح والسلامة.
همسة :
يقول عليه الصلاة والسلام : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ..
فاحذر يا ابن آدم ، ما تلفظ من قولٍ أو كلمةٍ وحركة ، إلا لديك رقيبٌ عتيد , وكما تدين تدان .
ويقول المصطفى : " لا تُؤذوا المسلمين ولا تُعيّروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ، فلا تعلم عاقبة أمرك .