وفق برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسِّر) فإن التحول الرقمي يعني: “السعي الى تحقيق استراتيجيات المنظمات وتطوير نماذج الأعمال والتشغيل المبتكرة والمرنة، من خلال الاستثمار في التقنيات وتطوير المواهب وإعادة تنظيم العمليات وإدارة التغيير لخلق قيمة وخبرات جديدة للعملاء والموظفين وأصحاب العلاقة”.
وقد أدركت جمعيةُ البر بجدة أهميةَ هذا التحوُّل في دعمِ وتمكينِ العمل الخيري والارتقاء بمخرجاته لتيسير تنفيذ الخدمات والتواصل مع مختلف الشركاء وتحسين بيئة العمل وصولاً لتحقيق معايير الجودة والتميز في الأداء ودعم معايير الحوكمة والشفافية وتحقيق الاستدامة.
لذا جاء التركيزُ الكبيرُ على آفاق الرقمنة لتكون إحدى المُمكِّنات في تنفيذ البرامج والأنشطة المجتمعية، الأمرُ الذي يمثِّل نقلةً كبرى في دعم العمل الخيري وتمكين الفئات المستفيدة.
من هنا جاء تدشينُ الجمعيةِ لأجهزة الخدمة الذاتية والمنصة الإلكترونية والمعرض المصاحب (البر لك أقرب) في أسواق البحر الأحمر (رد سي مول) خلال الفترة من 20 الى 22 يناير، والذي يُعتبر نقطة تحوُّل كبرى في رحلة عطاء الجمعية الممتدة منذ أكثر من أربعين عاماً، كعلامةٍ فارقة في خدمة ودعم العمل الخيري وتمكينِه.
تنقَّلتُ في رحابِ تلك الأجهزة الخدمية، فاستشعرتُ الفرقَ بين العطاء التقليدي والعطاء المُقنَّن الذي يوفر الوقتَ والجهدَ على المتبرعين ويمنحهم مساحاتٍ من الحركة يحددون من خلالها بكل يُسر أسماءَ البرامج الخيرية التي يرغبون في التبرع لها بضغطة زر، كما يمنحهم فرصة لإصدار بطاقاتِ تبرُّع عبر الأجهزة، يمنحونها إلى المرضى على نية الصدقة، فيُدخلون البهجة الى قلوبهم، بل ويمنحهم أيضاً الفرصة لإصدار بطاقات هدايا مُسبقة الدفع يقدمونها على بساط العطاء لمن يختارونه من الفقراء ليستبدلوا بها المواد التموينية والملابس من خلال المتاجر الكبرى.
لم يقف الأمرُ عند هذا الحد بل اكتملتْ ثنائية العطاء بالعنصر الثاني وهم المستفيدون من ذوي الدخل المحدود الذين يمكنهم من خلال إدخال هوياتهم بالجهاز أن ينفذوا منظومةً من الخدمات التي تقدمها الجمعية دون حاجة للحضور إلى مقر الجمعية أو مكاتبها الفرعية.
هذا التوجه الاستراتيجي للجمعية انبثق من حزمة من مستهدفات الجمعية التي جاءت مواكبة للرؤية التنموية 2030 والتي برز من بينها الانتقالُ من مفهوم الرعوية الى مفهوم التنمية المستدامة والتوسُّع في الشراكات ودعم العمل التطوعي الذي يقدم مختلف الخدمات المجتمعية في مختلف التخصصات، ناهيك عن دعم الأوقاف واستحداث المشاريع الاستثمارية الداعمة لبرامج ونشاطات الجمعية سواء في تمكين وتأهيل الأسر ذات الدخل المحدود أو رعاية وإيواء الأيتام أو علاج مرضى الفشل الكلوي في مراكز الغسيل الكلوي التابعة للجمعية، أوالعناية الطبية بالمرضى، وغيرها الكثير من البرامج التي تستهدفُ دعم البناء الاجتماعي.
هذه الأهدافُ الحيوية بكل ما يقترنُ بها من أهدافٍ تشغيليةٍ وبرامجَ ونشاطاتٍ متجددة ما كان لها أن تؤتي ثمارَها إلَّا بهذا التحوُّل الإلكتروني الفريد الذي يتواكبُ مع التسارع الكبير في المستجدات التقنية والتكنولوجية والذي تمخَّض عنه توفيرُ الجهد والوقت وتأمين السلامة العامة للمتبرعين والداعمين والمستفيدين خاصة في ظل جائحة كورونا، وصولاً إلى بانوراما متجددة من التألق في المخرجات (التمكينية) التي تسعى دوماً لتحقيق الاستدامة.
إن الارتقاءَ بمستوى الرقمنة في المنظمات الخيرية هو أحد المُحفِّزات التمكينية التي تساهم بقوة في تحسين الأداء ورفع كفاءة الإنفاق والتيسير على المستفيدين، الأمرُ الذي يتطلبُ من مختلف منظمات القطاع غير الربحي المسارعةَ الى تعزيز هذا التوجُّه التقني ومواجهة التحديات التي تعرقلُ مُخرجات الأداء، حتى تلتقي تلك المنظماتُ في منظومةٍ واحدة تصبُّ جميعها في بوتقةِ المشروع النهضوي الكبير المنبثق من رؤية المملكة التنموية 2030.