عاشت البشرية صراعًا ممتدًا بين الجنسين الوحيدين للإنسان على الأرض منذ أن خلق الله آدم وحواء، وظلت المجتمعات تتفاوت في تحديد النظرة لكل منهما وفق المرجعية الفكرية والدينية والموروث الثقافي، وتراكمت أسباب ودوافع كثيرة تضرم النار في نفوس وعقول الإناث بحثًا عن مساواة حثيثة مع الرجل بدعوى أن النساء والرجال يشتركان في صفة البشرية فلماذا إذن يتم تمييز الرجل بحريات لاتملكها المرأة؟!
وبوصول البشرية وحضارتها لمرحلة عظيمة من النضج والكمال سواء النضج الزمني أو الإبداع التقني أو التقدم العلمي أو النضج الاجتماعي، لازال التفاوت الكبير يظهر بين الأمم والعرقيات المختلفة فبينما تجد النساء في بعض الأمم قد تساوت قانونيًّا واجتماعيًّا بشكل تام مع الرجل لازالت توجد مجتمعات تحرم حتى مجرد الكلام أو إبداء الرأي والمرأة تعيش فيه بتبعية كاملة للرجل.
بالنظر للمجتمعات الغربية نجد أن ظاهر الأمر يشير إلى تحقيق العدالة في المساواة بين الرجل والمرأة حتى أن بعض الدول يمكن فيها أن ينسى الشخص أو لايدرك جنس الإنسان الذي يتعامل معه، فتبدو الحياة وردية جميلة برصد القوانين الرسمية والتعميمات الاجتماعية التي يفترض أن تقدم للأنثى كل أسباب الحياة الرغيدة الهانئة في ظل الاستقلالية الكاملة التي حصلت عليها، ولكن هل المرأة الغربية سعيدة وتشعر بالرضا بالفعل ؟ من الصعب إجابة هذا السؤال كونه يحتاج مئات الدراسات والإحصائيات المقننة ومايمكن فعله هو إجابته بالمتاح مما قد وقع عليه بصرنا وسمعنا خلال السنوات الماضية، والمرأة فقط هي من تستطيع إجابة هذا السؤال، لكن دراسات عدة ومقالات لمفكرين بارزين تشير إلى أن الحياة للمرأة الغربية فيها من الصعوبة والمشقة أكثر بكثير مما يتصور البعض خاصة من أبناء جلدتنا الكرام، وهناك إحصاءات كثيرة في مجالات مختلفة دلت على نسب مرتفعة من حالات الأمراض النفسية والانحرافات السلوكية وحالات الانتحار والقتل والاغتصاب والتحرش والعنف الأسري والمجتمعي، وتلك الاستقلالية التي وهبت لها لم تصنع منها مخلوقًا سعيدًا راضيًّا، بل توجد مشاكل من نوعيات أخرى لعل أهمها هو تفكك النظام الأسري وخروج الفتاة إلى معترك الحياة بدون الخبرة والقوة اللازمة التي تجعلها قادرة على حماية نفسها والحلول المقدمة لتقوية الذات بتعلم الفنون القتالية خلقت مشاكل أخرى من الاسترجال والتنمر، وتقلص نسبة الأنوثة في التعامل والتعاطي، ناهيك عن فقدان الأمن النفسي والوجداني والذي تراجع مع خروج المرأة من شرنقة الأسرة ودفء الحماية.
والعجيب أن هناك حالات كثيرة من الاكتئاب والانحراف النفسي بل والانتحار رصدت في الوسط الذي يفترض أنه الأكثر حرية وحبورًا وهو وسط المغنيات والممثلات، كل ذلك إضافة إلى شهادة بعض الغربيات أنفسهن بافتقادهن للسعادة والرضا والشعور بالأمن وشهادة بعض الرجال الغربيين في المقابلات والبرامج بتوقهم لأنوثة حقيقية تضفي وهجًا على حياتهم الزوجية والعاطفية.
ترى لماذا كل هذه المؤشرات والنتائج ؟؟ ببساطة يكمن الجواب في كلمات هي "خصوصية المميزات والفوارق"، فالتشريع الغربي ساوى بين الجنسين في الحقوق والواجبات وربما يبدو ذلك رائعًا في بعض المجالات ولكنه - والمجتمع الغربي - أغفلوا جميعًا حقيقة طبيعة المرأة ومميزاتها الفطرية التي تختلف كثيرًا عن طبيعة الرجل وبالتالي مساواتهما بشكل كامل يعد أمرٌ لا يحقق الهدف المرجو من ذلك التساوي ولاستبصار هذا الأمر نضرب مثالًا لمجرد التشبيه بمساواة الحمامة والناقة في حقوقهما والمتوقع منهما، كلاهما من الجنس الحيواني لكن لكل منهما صفات وخصائص لاتشبه الآخر بالتالي من الظلم أن أتوقع من الحمامة أن تدر لي لبنًا ومن الغباء أن أتوقع من الناقة أن تطير، مهما ارتقى كلاهما ومهما تساويا فيما يقدم لهما من عناية واهتمام فالحال هنا لاعلاقة له بما تقرره بشأنهما كمربي بل بما يستطيعان تقديمه وما قد يريحهما وفق ماهم مزودين به، إن عاملت الحمامة الوديعة الرقيقة مثل الناقة في التحمل ومنعت عنها الماء ماتت والعكس يذكر لو توقعت من الناقة أن تعيش في وارف الظلال بعيدًا عن بيئتها التي تناسبها تضررت، هذا في عالم الحيوانات التي ثبت أنها تشعر وتتألم وتوفي وتخلص وتحب ولكنها مهما ارتقت لن تصل لكرامة وتفوق المخلوق الذي كرمه الله وهو الإنسان، وتلك الكرامة تتضمن تأكيدًا أكبر على وجوب الحفاظ على خصوصية كل من الجنسين واحترام مميزاته وقدراته فالإنسان مخلوق متكيف لأنه الحامل للعقل واللسان والفكر والأخلاق والقيم والقدرات العظيمة التي متعه الله بها، ولكن هذا لايعني أن تتنازل المرأة عن أنوثتها لتتكيف ولا أن تقود شاحنة، وتعمل في النزاحة لتتساوى مع الرجل وأتصورأن الإذلال والإهانة يحلان محل المساواة والاستقلالية بشكل مؤلم.
هذا فيما يخص الغرب، ماذا عن جميلات المنطقة العربية المسلمة والسعودية على وجه الخصوص ؟ ماذا تريد المرأة السعودية من حقوق ومنح و قوانين وتعميمات اجتماعية تُسن حتى تشعر أنها لحقت بركب التحضر والمساواة ؟
هذا سؤال قد تطرحه ناشطات في شأن حقوق المرأة لدينا لكن للأسف لازلت أرى أن المجدات في النعيق بحقوق المرأة في البوق الإعلامي لايمثلن كل الشرائح الأنثوية في المجتمع السعودي الكبير المترامي والمتماوج بين بداوة ومدنية ومجتمع مغلق وآخر مفتوح على الغارب، أصوات المطالبات بحقوق المرأة السعودية في الإعلام يمثلن في الغالب آراء شريحتهن الاجتماعية أو قناعاتهن لا إجماع الشرائح وهذا مايخلق الاختلاف والخلاف في الطلبات والاحتياجات المعلن عنها، وفي الحقيقة هذا المجتمع تلقى أكثر من صدمة حضارية في خلال فترة ستة عقود بدأت منذ نصف القرن الماضي وحتى عقدنا الحاضر، موجات وصعقات وسيول من التغيرات الاجتماعية والنفسية حدثت بسبب تحول العالم في عقود قليلة وفترة وجيزة من حال إلى حال يجعل الحليم حيرانًا، فتحول العالم إلى قرية كونية والانفجار المعلوماتي والتقني الذي حدث يجعل اللهاث هو المظهر الوحيد الأبرز عند كل بني البشر فما بالنا بالمرأة السعودية التي لم يكن لديها سوى مدرسة واحدة للتعلم في مكة على سبيل المثال في الخمسينات وقفز الرقم إلى عشرات ومئات في ثلاثين عاما فقط، والتي كانت في الغالب أمًا صالحة مربية تلزم دارها وتحولت إلى امرأة عاملة في مجالات عدة منها ماهو مختلط أيضًا، والتي كانت في الغالب تابعة ماديًّا والآن أصبحت ذات ذمة مالية منفصلة في دخلها وعملها التجاري، كل تلك التغييرات أدت إلى مئات الطفرات والفجوات النفسية لدى الرجل الذي لازال يعاني صراعًا بين ما يريد أن يسايره من انفتاح اليوم وبين صوت قوي يقبع في زاوية وجدانه وعقله يصرخ به ليلًا ونهارًا أنت ذكر ومجتمعك ذكوري، وصارت المرأة والرجل والعلاقة بينهما والمجتمع كله بين مطرقة مايريد أن يكون و سندان ماهو كائن، وللأسف ماجت الأمور وهاجت وظهرت أنصاف العقول لتحكي وتقنن، والإناث يصرخن تقليدًا لباقي إناث الشرق بالعبارة الشهيرة (نحن نطالب بالمساواة) اعتقادًا بأن المساواة هدية مغلفة بورود ستقدم لهم مع الألفية الثالثة تفتحن الغلاف فيبرز المارد الذي سيحل كل مشاكل السيدات، وهذه الهدية تتحدد في مطالب ثلاثة لاتتغير هي قيادة السيارة –إسقاط الولاية –الاستقلالية التامة، وربما كان مع بعضهن الحق في هذه التوليفة التي تظن بعضهن بأنها العصا التي ستحل كل المشاكل وتبدأ نساء المملكة بعدها التمتع بالجنة، وبرزت نماذج كثيرة من متشددين وليبراليين ومفرطين ومتمسكين حتى أصبح الأمر بلا إطار صحيح يجمعه، هرج ومرج تختفي وراءه أقنعة الشريرين ووضاءة وجوه الطيبين فلا يعلم من معه الحق ومن عليه،
وتمت هذه الخطوة وهي قيادة المرأة و لله الحمد و تم بث الوعي الديني بتقوى الله والوعي الاجتماعي باحترام هذا القرار وتسهيل تفعيله بشكل مرن، ومثله مشروع إسقاط الولاية وأي مشروع آخر لابد أن يوضع على ميزان الدين والشريعة ويحكم فيه وفق معيار التوسط لا التشدد ولا التفريط حتى لاتظل امرأة في الخمسين يحكمها مراهق كولي أمر ولا تنفلت مراهقة من عقال الولاية والحماية وهذا ما وفرته قيادتنا الرشيدة و لله الحمد.
و ثوابت الدين و البر و ااخوف علي فلذة الكبد و احترام كيان الأسرة كلها تؤكد أهمية ابقاء الولاية للوالد أو الوالدة فلن يكون هناك من يهتم برعاية الفتاة بل الساب أيضا أكثر من أهله و ذويه و الأهل نعمة و وحود الوالدين عزوة و وجاء و محارة نحمي اللؤلؤة من خدش المتجاوزين.
ما أراه هو النظر بعد ذلك لاحتياجات المجتمع وعناء المرأة بعيدًا عن مجرد الرغبة السخيفة في زيادة رقعة الحرية للخروج بدون حجاب وأيضًا بعيدًا عن التحجج بالعرف والتقليد فتحبس المرأة حتى تموت كمدًا.
هذا الدين وفقهه أي فهم شرائعه فيه الخير العظيم والمكانة التي تمنح كل أنثى ماتريده من سعادة ورضا وهو غير مسئول عن تشدد بعض المنتمين إليه بدعوى الحفاظ عليه، وبالمقابل غير مسئول عمن فرط، وتساهل بحجة أن الله غفور رحيم وحصر الدين في العبادة ولم يتخذه منهج حياة .
الحلول المرضية ممكنة إن أخذت كل القناعات والاتجاهات والاعتبارات في الحسبان وتم تفنيد كل أمر بمعياره، وأهم مايجب اتخاذه الآن هو العمل على إصلاح الطفرات التي أحدثتها التغيرات الحضارية في عقل وسلوك وقناعة الرجل والمرأة السعوديين بل ماحدث لكل البشر على الأرض، يجب أن نعمل على توعية الفتاة أن قيادة السيارة ليست ليتطاير الشعر الغجري كما تغنى نيزار بل لقضاء الحاجات ويجب أن تدرك أن الحياة لاتنحصر بهجتها في الظهور الإعلامي والانفلات من كل عقال ونعيدها والشاب أيضًا إلى تناول الحياة بعمق واحترام وجدية بعيدًا عن هوس اللحاق بالغرب اللامع.
أخيرًا..
تلح علي عبارة سمعتها من الشيخ راتب النابلسي تتلخص في أن ليست كل القضايا تحل بالعدل، بل بعضها يحل بالإحسان فالمرأة الغربية عوملت بالعدل، لكن ديننا يطالب بمعاملتها بالإحسان وهذا أعمق وأجمل وربما يثور علي البعض بأن المرأة السعودية كما أي امرأة في أي مجتمع يقع عليها ظلم ما، وهذه حقيقة لايمكن إغفالها وأنا ممن يطالبون برد الظلم عنها ولكن كيف هو ما اختلف معهم عليه، فمثلًا الحل عندي أن نربي جيلًا من ذكور بحيث يتعلم الرجل كيف يحترم امرأة ذات فكر مستقل، كما كان رسول الله يتعامل مع ذكاء عائشة العقلي وتميز خديجة التجاري -رضي الله عنهما- على أن تدرك المرأة بأن كل تميزها وذكاءها وإبداعها يجب ألا يتعارض مع واجباتها نحو أبيها وزوجها، الحقوق والواجبات التي نص عليها الدين وطبقها آل بيت رسول الله في السيرة بكل روعة وسلاسة وليست الحقوق التي تفرضها العقول المتحجرة ولا الواجبات التي تضيعها العقول المفرطة، هذا دور التربية ومؤسساتها من أسرة ومدرسة وتعليم وإعلام وهو أمر ضخم يحتاج لتضافر كل الجهود والله المستعان.
إضاءة وهج :
لست مجرد امرأة تلهث وراء مساواة مع رجل، فهو ليس في حساباتي بل أنا أنثى وسأظل أنثى، كيان كامل مكون من امرأة مسلمة وإنسان رشيد مكرم، وأتوق أن أحصل على حقوق هذا الكيان بمنهاج الله وفيه الكفاية لا بمساواتي مع جنس آخر .. فحسب.