يعد يوم الثامن من ذي الحجة؛ ثاني مناسك الحج؛ حيث يذهب فيه المسلمون إلى مشعر مِنى للمبيت فيها، وسُمي يوم التروية بهذا الاسم؛ لأن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- رأى في منامه ذبح ابنه في تلك الليلة، وأصبح يروي ويقول أهو أمرٌ من الله تعالى أم حلمٌ؟ وقد قِيل أيضاً إنّ سبب تسميته بهذا الاسم، لأن حجاج بيت الله كانوا يرتوون من الماء فيه.
الأنساك التي يحرم بها القادم عندما يصل إلى الميقات ثلاثة أنواع: الإفراد؛ وهو أن ينوي الإحرام بالحج فقط، ويبقى على إحرامه إلى أن يرمي الجمرة يوم العيد، ويحلق رأسه، ويطوف طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة؛ إن لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم.
والقران؛ وهو أن ينوي الإحرام بالعمرة والحج معاً من الميقات، وهذا عمله كعمل المفرد، إلا أنه يجب عليه هدي التمتع.
والتمتع؛ وهو أن يحرم بالعمرة من الميقات، ويتحلل منها إذا وصل إلى مكة بأداء أعمالها من طواف وسعي وحلق أو تقصير، ثم يتحلل من إحرامه، ويبقى حلالاً إلى أن يحرم بالحج.
والإحرام بالحج يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، لقول جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجّهوا إلى مِنى، فأهلوا بالحج).
وتابع: يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة، أو خارجها، أو في مِنى، ولا يذهب بعد إحرامه فيطوف بالبيت.
قال ابن القيم -رحمه الله-: “فلما كان يوم الخميس ضحى، توجّه – يعني: النبي -صلى الله عليه وسلم- بمَن معه من المسلمين إلى مِنى، فأحرم بالحج مَن كان أحل منهم من رحالهم، ولم يدخلوا إلى المسجد ليحرموا منه، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم”.
وبعد الإحرام يشتغل بالتلبية، فيلبي عند عقد الإحرام، ويلبي بعد ذلك في فترات، ويرفع صوته بالتلبية، إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد.
ثم يخرج إلى مِنى مَن كان بمكة محرماً يوم التروية، والأفضل أن يكون خروجه قبل الزوال، فيصلي بها الظهر وبقية الأوقات إلى الفجر، ويبيت ليلة التاسع، لقول جابر -رضي الله عنه-: وركب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مِنى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وليس ذلك واجباً؛ بل سنة، وكذلك الإحرام يوم التروية ليس واجباً، فلو أحرم بالحج قبله أو بعده، جاز ذلك، وهذا المبيت بمِنى ليلة التاسع، وأداء الصلوات الخمس فيها سنة، وليس بواجب.