أياد تلتف بالحرير، وتقاس بوزنها ذهبًا، هذا ما يتذكره زائر مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، عندما يشاهد رجالًا أمضوا أكثر من ثلاثة عقود مع الخيوط الحريرية والقطنية وإبر الخياطة، بدأت شغفًا وانتهت هيامًا.
شرفهم الله -عز وجل- بما يحلم به كل مسلم، العمل بخياطة كسوة الكعبة المشرفة وفكها وتركيبها يوم استبدال كسوة الكعبة الذي يوافق كل عام اليوم التاسع من ذي الحجة.
فحول هذا التشريف وعظم العمل يقول فهد عودة العويضي، أحد العاملين في خياطة ثوب الكعبة المشرفة بمجمع الكسوة: أمضيت (٣٦ سنة) وأنا أعمل بالمجمع، كنت لما زرت المسجد الحرام يستوقفني كثيرًا ثوب الكعبة المشرفة، وأتساءل كيف يتم خياطته وتركيبه ولكني لا أجد أي جواب، ففي عام (١٤٠٦هـ) حضرت إلى الحرم المكي وقت تبديل الثوب وشاهدت مراحل الفك والتركيب.
وبعد الانتهاء منها تقدمت لأحد العاملين حينها في تبديل الثوب، وطرحت عليه الكثير من الأسئلة وكان يجيب على كل سؤال بدون تردد فمن بين الأسئلة التي وجهتها له عن المكان الذي تصنع فيه الكسوة وكيف يمكن المشاركة في هذا العمل.
وجهني بالذهاب إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومقابلة المسؤولين والتقدم بطلب توظيف، وفي اليوم التالي توجهت إلى الرئاسة العامة وكانت العملية سهلة جدًا، رحبوا بي، وكان الاتفاق معهم على التدريب مدة ستة أشهر فإذا اجتزت الدورة سوف أكون أحد العاملين بالمصنع.
وفي حال عدم الاجتياز سوف تعاد لي الدورة، وفي حالة التعثر للمرة الثانية لن يتم قبولي للعمل، دخلت الدورة وشغفي وحبي لهذا العمل جعلني اجتاز الدورة التدريبية خلال شهر واحد – ولله الحمد – فبعد الشهر الأول تم توظيفي بالمصنع، وبدأت بالعمل مع زملائي الذين وجدت منهم تعاون كبير، وكان العمل جميل وممتع لأنه أطهر وأفضل مكان وهذا يولد طاقة إيجابية، جعلتني أعمل طوال هذه المدة في المجمع، وأمثل المجمع في كثير من المعارض الداخلية والخارجية والتي منها دبي وطاجكستان وإندونيسيا.
وحول الشباب وتمكينهم من العمل داخل المجمع قال العويضي: لدينا داخل المصنع عدد من الشباب يجيدون فن الخياطة والتطريز ولديهم شغف كبير للعمل في هذا المكان، فأخرهم (٢٥) شابًا تم قبولهم للعمل بالمجمع بعد أن تم تدريبهم مدة ستة أشهر في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وثلاثة أشهر بالمجمع، والأنشطة نعمل على تدريبهم في عملية تبديل الثوب ونجعلهم يرافقون أصحاب الخبرة لمساعدتهم ومعرفة آلية العمل.
وذكر العويضي أنه شارك في تبديل ثوب الكعبة (٢٥ سنة)، وأن عدد الأشخاص الذين يقومون بتبديل الثوب (116) شخص (١٩) منهم فوق سطح الكعبة، والبقية موزعين حول الكعبة.
وقال العويضي سهلت عملية دخول كثير من الأصدقاء للعمل بالمصنع، وزوجتي وابني وبناتي زاروا المصنع وشاهدوني وأنا أعمل ويحتفظون بجميع المواد الإعلامية المرئية والمطبوعة التي أظهر فيها وأنا داخل المصنع أو أوقات تبديل ثوب الكعبة المشرفة، كنت في مراحل شبابي أنهي لفظ الجلالة كامل خلال 6 ساعات واليوم يصل انتاجي إلى حرف فالخبرة ساعدتني على سرعة الإنتاج، وأتذكر في أحد الأيام أنا وزملائي خلال ثلاث ساعات قمنا بخياطة أحد القناديل وهو (يا حي يا قيوم).
العويضي يقوم أيضا بالإشراف ومتابعة زملائه والمشاركة في تغيير ثوب الكعبة ويقول أن التبديل يحتاج إلى تركيز وجهد عالي لأنهم أصبحوا يحققون أرقام قياسية في وقت تبديل الثوب ومحاسبين على جودة العمل، وأنه العام الماضي (١٤٣٩هـ) تم تبديل الثوب في مدة زمنية تقارب الثلاث ساعات لإكمال استبدال الكسوة، في عملية شارك بها 160 صانعا وفنيا.
فيما يقول غازي عمر باقليد: عملت في مجمع الكسوة منذ عام (١٤٠٣هـ) بدأت في العمل عندما كان يدوي بالورق والطباشير كنا نطبع الورق ونحدد الحروف بالطباشير ثم نمشي على الرسم بالخيط ونعمل الحشو، فتطور العمل إلى أن أصبح آلي، المكائن ترسم الحروف والحشو ونحن نقوم بالتطريز، ففي السنوات الأخيرة شهد المجمع نقلات نوعية في الآليات والكوادر والتدريب والتطوير، فقديما كنا نشعر بألم في الصدر والظهر والأذرع أما الأن فالعكس بسبب تطور الآليات، فبسبب الخبرة العالية لدي انتهي من حرف خلال اليوم.
وعن عائلته قال باقليد: عائلتي تفتخر بعملي هذا، وأبنائي جميعهم يريدون أن يعملون بنفس المهنة لما لها من فضل عظيم، وأبنائي الأربعة زاروا المجمع أكثر من مره، وعديلي يعمل معي في المجمع وهو من الشباب الجدد، وأصبح من المتميزين في عمله.
أما صالح فريج الردادي والذي يعمل بالمجمع منذ (٣٤ سنة) يقول: بدأت مطرز وعملت في التطريز (٣٣ سنة) ومنذ عام تحول عملي على مكينة شلل القطن لتفريغها على المكر والشلل يستخدم لتقطين الحرف، فاليوم مع تطور الآليات داخل المجمع تحول عمل الشلل وتعبئة مكر الخياطة من العمل اليدوي إلى الالي.
وعن دور الشباب بالمجمع قال: الشباب الجديد طموح ومتحمس ويملك التعليم الكافي، فجميع من انضموا للمجمع متميزين ولديهم شغف للعمل.