دوما يتداول الناس أن العبادات الميسرة هي عبادات مثل جبر الخاطر بكلمة أو تصرف ، السعي في حاجات الناس ، الرضا بما قسمه الله، حسن الظن بالله، إدخال السرور على الغير، التجاهل للزلات، التبسم في وجوه الناس، التفاؤل والأمل وغيرها مما لا يستوجب جهدا حسب المفهوم الظاهري .
لكن الحقيقة أن هذه العبادات الميسرة تتطلب شغلا على النفس لتكون طيبة وعلى القلب ليصبح أبيض نقيا، لذا هي صعبة وليست ميسرة إلا لمن كان نقي القلب نظيف السريرة كريم الوجدان .
وإلا ليس سهلا على بخيل المشاعر أن ينثر الابتسامة شرقا وغربا، وكم ثقيل ثقل الجبال على سيء السريرة أن يجبر الخواطر بكلمة أو بعمل، وفاقد الشيء لا يعطيه فكيف لقلب يتشح سوادا أن يتمنى الخير للآخرين فيجبر خواطرهم ويمطر عليهم كلمات طيبة، وأنى لقلب حقود لا يعرف التسامح أن يتغافل عن عيوب الناس وزلاتهم، بل جلّ الخلق لا يحسنون العفو والصفح ناهيك عن الإحسان.
هذه العبادات تقيّم أنها سهلة نظرا لعدم تطلبها لجهد بدني أو مادي ، لكنها تتطلب ماهو أعظم وأصعب فلا تصدر إلا عن : نفس طيبة وقلب سليم ، وهذا ذروة الدين وقمته.
قد يتوفق الإنسان لابتسامة هنا أو كلمة طيبة هناك وهذا جميل ويُكتب أجره لكن لا يكون هذا ديدنه، العبرة بالاستمرار والدوام ، أن يكون طبع أحدهم وسجيته الكلام الطيب للغريب والقريب دون وجود دافع من مصلحة أو احتياج ، والسعي بالخير والقلب النظيف ينضح بما فيه رقيا وصفاء سواء عبر مغرفته وهو اللسان أو يطفو على سطح وجهه هذا النقاء بابتسامة لطيفة وبتعبير سمح بلا تكلف أو جهد ، أما أسود القلب والنفس فيجاهد ليصدر بسمة ود بمشقة أو ليقول كلمة جبر بصعوبة ، حيث أن الود واللطف عكس مخزون قلبه ونفسه ومع هذا في كلٍ أجر .
لذا من أراد هذه العبادات السهلة كما يسمونها، عليه أولا الاشتغال على تطييب قلبه وهذا لا يأتي إلا بقوة الإيمان واليقين بالله.
إذن كيف نقوي إيماننا ونصلح سرائرنا؟
أول الأمر الدعاء ثم الدعاء، ثم الخلوة مع الله لحيازة السكينة،
ثم مجاهدة النفس في كل موقف، جاءت فرصة للشماتة ممن قهرني لا أشمت بل أقول عفا الله عنه والحمدلله الذي عافانا، دخلت على مكان ولا رغبة لك في ابتسام أجبر عضلات وجهك اليابسة أن تتحرك لتبتسم ، نفسك مليئة بعدم الرضا والحسد تذكر قائمة النعم الألفية التي أغدقها الله عليك لتعلم كم أنت في خير فترضى .
وهكذا إعمل على العمق والسطح ، المستويين معا ، وهو أعظم العمل وإلا لماذا كانت ولاية الله سلعة غالية لأن عبادات القلوب ونواتجها ليست سهلة أبدا.
فهناك من يصلي كل الليل لكن لا يستطيع أن يمنع نفسه من الحسد أو الحقد ولا يحسن كلمة طيبة، والمفترض أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لذا فتفعيل أثر الصلاة على شخصيته لم يحدث وهنا يراجع الإنسان نفسه ويروض ذاته لينتفع من الآثار الإيجابية للصلاة والعبادات الصعبة حتى يمكنه أداء العبادات السهلة بيسر .
لا ينضح إناء إلا بما فيه ، عدّل محتوى إنائك لينضح بخير .
(وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )
الصبر على المكاره والصبر على الشدائد والعفو والصفح جواز القدرة على دفع السيئة بالحسنى وبالتالي بوابة الجنة.
إن عطرتَ قلبك بيقين ونقاء،
عبق ذاك العطر يشيع في نفسك ويُسكب في لسانك ويتناثر من وجهك وجوارحك رضا وسرورا ويتجاوزك ليفيض على المحيط أريجا، جابرا لغيرك كما لذاتك .
بعض السهل ممتنع ..
فحملُ عشر باقات من ورد عند كثير أسهل من تقديم وردة مع ابتسامة وكلمة حنون!