لم ينصح نفسه من رضي بالانتقال من عمار مؤقت إلى خراب دائم كان بإمكانه أن يحيلهما عمارا كليهما، ويُلاحظ تسارع التفكير والتدبير إلى الاستفادة مما هو موجود لحياة أفضل، في النقل والسكن واللبس والطعام، ومن أكبر الهموم التي نلحظها على إخواننا ما يصيبهم عند الشروع في بناء بيت، فتجد الأخ يستنفر طاقته ويستجمع جهده في البحث عن مقاول واختيار مواد البناء والمرافق والتفاوض على الأسعار.
أما الأثاث فهو متصدر الهموم الذي يقطع الرقاب، ويحير الألباب في اختيار كل قطعة منه، ولعل البعض يقطع المسافات بين المدن، وأحيانا بين الدول، بحثا عن قطعة تجمّل المكان.
وإذا دخلت بعض بيوت الطيبين تُبهر أمام ما تراه، وكأن هذا البيت ليس بيت صاحبك بما عرفت عنه.
وليس المقصد أن نصف بالخطأ كله في هذا الشأن، فلكل منا وجهة نظر فيما أباحه الله وأمكنه فيه، ولكنها تذكرة إلى ما هو أهم وأجدى وأنفع.
فليُقم كلّ منا حياته على النمط الذي يريحه في مروره في هذه الدنيا، التي يجتازها بصفة ثابتة، أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، هي صفة عابر سبيل يريد أن يمر إلى أرضه ومستقره، وعابر السبيل لا يتوطن، ومكاننا الأصل هو مكان أبينا آدم عليه السلام في الجنة، ولن يهنأ لنا عيش إلا هناك، فكما حرص الناس على تطييب دنياهم، وعمار مساكنهم ودورهم، فليكن هناك عمل لتشييد القبور بالأعمال الصالحة، ومن بعدها القدوم على جنات النعيم التي يرجو كل منا دخولها.
قال إبراهيم النخعي: عجبا لقوم يعمرون دارا يرحلون عنها كل يوم مرحلة، ويدعون أن يعمروا دارا يرحلون إليها كل يوم مرحلة.