بعض من الناس يبحثون عن المشورة والنصيحة ويقطعون المسافات الطويلة ويتحملون أخطار الطريق للحصول على النصيحة الصادقة وسؤال أهل العلم والخبرة أما اليوم فقد اختلف الأمر كليا فأصبحت النصيحة كلاما منفرا ثقيل الدم وغير مرغوب فيه بل ان البعض بات يكره الأشخاص كثيري النصح ولا يحبون الجلوس معهم وكلما امتنع شخص عن إبداء الرأي والنصح كان هو الأقرب والأفضل من غيره لدى الآخرين حتى ولو كان الناصح صادقا ومحبا فنصيحته ثقيلة وكلامه غير محبب ما الذي تغير ولماذا أصبحت النصيحة مكروهة حتى من قبل الأهل ومرفوضة من الآخرين وينفر الناس من صاحبها أو مقدمها وكيف نحولها من نصيحة ثقيلة الدم إلى نصيحة محببة تؤخذ بعين الاعتبار..
اليوم اصبحت النصيحة تثير الحساسية بين الناس خصوصا في عالمنا الجديد السريع والمتطور الذي في ظل ظروفه لم يعد هناك وقت لاخذ أو سماع النصائح إضافة إلى أن الناس يرون في النصيحة مجرد كلام ومضيعة للوقت وحشوةبالواجب والمفترض كأن الناصح هو الأكثر فهما ووعيا من المتلقي أو المستقبل للنصيحة وكأنه يقول نا اكثر فهما ووعيا منك وأنت تحتاج إلى نصيحتي ومن هنا تأتي حساسية الناس من النصيحة ورفضهم لها وهذا ما يجعله غير مرغوب فيه فكلما امتنع الشخص عن تقديم النصيحة ارتفعت أسهمه عند الآخرين لانه لا يشعرهم بأنه افضل منهم واليوم بعض الناس يرى انهم ليسوا في حاجة إلى النصيحة كما كان الوضع في السابق لأنهم اكثر تعليما ووعيا والجميع يعرف تماما كل ما يقدم له من نصائح ولكنه لا يريد أن يعمل بها ولهذا هو يكرهها ولا يحب سماعها لأنها تخالف رأيه ومبادئه ويعتبر الناصح إنسانا مكروهة لأنه يذكر الإنسان بخطئه وهو لا يريد أن يذكره به فيكره الناصح ويتجنبه أحيانا ..
البعض يؤكد أن زمن النصائح ولى مشيرا إلى أن ابن الخمسة أعوام اليوم لديه من المعلومات والمعرفة والوعي اكثر من ابن الخمسة عشر عاما من شباب الزمن الماضي لأنه يعيش في زمن التقنيه في القرية الكونية الصغيرة التي جعلته على اتصال بكل أخبار الدنيا في دقائق معدودة واصبح الطفل يعلم الصح من الخطأ لأن الوعي بات في ازدياد مطرد نتيجة التعليم المتنامي فالطفل اليوم ومنذ مرحلة الرضاعة يجد كل وسائل المعرفة والتعليم مفتوحة أمامه فيجد في تقديم النصيحة (نكتة) لانه يعرف تماما كيف يميز بين المستقيم والأعوج ولكنه يختار العوج عن سبق إصرار وترصد وعندها يكره الناصح ويعتبر نصيحته (ماسخة ومالها طعم) فلا يتقبلها وقد ينفر من صاحبها ويبحث عن صديق آخر لان هذا الصديق الناصح يذكره دائما بأخطائه ولانه لا يريد مرافقة من يخالف رأيه..
كل إنسان يرى عقله أو تفكيره افضل من غيره ولا يعترف بأن غيره يفكر افضل منه فيعتبر أن النصيحة حين تقدم له فيها انتقاص من عقله وقدرته على التفكير السليم أو اتخاذ القرار الراجح ولأن كل إنسان يرى نفسه هو الأفضل من حيث العقل فلا يسهل عليه أن يتقبل النصيحة من الآخرين إضافة إلى أن الذي يقدم النصيحة اليوم يفتقر إلى القدرة على الإقناع أو إلى استخدام الأسلوب الصحيح الأمثل في تقديم النصيحة من دون فرد عضلات تفيد الغرور والتعالي وابراز الذات على الآخرين ولهذا كان أهل الزمن الماضي يبحثون عن كبار السن واهل الخبرة واصحاب المعرفة لاخذ نصيحتهم ووضعها موضع التنفيذ لانهم كانوا يحسنون تقديم النصيحة الصادقة والحقيقية كما أن روتين الحياة اليوم تغير وجعل الناس يتغيرون في مدى تقبلهم للنصيحة فالناصح بالأمس افضل من حيث الأسلوب والوعي والمعرفة وثانيا لأن الناس لم يعد لديهم الوقت لسماع النصيحة ..
ويعتبرون النصيحة غير مجدية أو محقة للشخص الذي لم يطلبها بل وتثير أحيانا المشاكل والفتن حينما تكون مفروضة على الآخرين وغير منطقية أو من اجل إظهار النرجسية والانا لدى الناصح والنصيحة بشكل عام مهمة للإنسان ولا يمكن أن نستغني عنها ولكن يجب أن تكون موجهة من أصحاب الخبرة والمعرفة والوعي قديما كانت نوايا الناس حسنة ويفترضون حسن النية فيمن يقدم لهم النصيحة فيأخذونها بعين الاعتبار أما اليوم فاختلف الأمر لان سوء النية أصبح مفترضا في الناصح فلا يحب المتلقي سماع النصيحة لعدم ثقته بمن يقدمها إضافة إلى أن الكثيرين اليوم اصبحوا يدعون العلم والمعرفة من باب حب التظاهر أمام الآخرين ...