الحواس الخمس من سمعٍ وإبصار وذوق وشم وإحساس باللمس تختلف في قوتها وضعفها بين المخلوقات، لكنها متوفرة بشكل أو بآخر وفق نسب مختلفة، فالفصائل الحيوانية على وسع اختلافها وتنوعها المعجز تتمتع بها بدرجات ومستويات، وكذلك عالم الحشرات، بل إن دراسات عدة كشفت مستويات مبهرة لإحساس النبات وتفاعله حيث ثبت أنه يسمع ويتأثر ويتفاعل، كما أنه يتجاوب مع اللمسة مابين حنوٍ وقسوة.
والإنسان ولا شك يملك الرقي الأعلى في قوة هذه الحواس واجتماعها حيث وفرها الخالق له وزوده بقدرات عالية في كل حاسة ليستطيع مزاولة حياته ولا عجب في ذلك فهو سيد هذا الكوكب وجعله الله مفضلا مختارا بفضله وإذنه كما قرر في كتابه ( وفضلناه على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
وكلنا نكاد نتفق على أن الجماد محروم من هذه الحواس، باعتباره مخلوقا أصم لا روح فيه، لكن إعجاز الله البديع في خلقه لا زال بئرا من أسرار واكتشافات تبين أن فوق كل ذي علم عليم، ولم نؤت من العلم إلا قليلا.
فإذا كان الإعجاز العلمي في السنة ظهر في نتائج دراسة حديثة تؤكد أن آخر حاسة تتعطل عند الإنسان هي السمع وأن البشر يظل سامعا لما حوله بعد موته بساعة أو اثنتين، وهذا يفسر بشكل مدهش كلام نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم لقتلى المشركين بعد غزوة بدر حين رموهم في البئر ووقف الرسول عليه السلام يؤنبهم وبيّن وفسّر للصحابة حين تعجبوا من توجيه كلامه للأموات بأنهم يسمعون لكن لا يستطيعون الرد.
ويبدو أن حاسة السمع هي من أكثر الحواس تعميما واشتراكا بين طالمخلوقات حيث ظهرت المفاجأة العلمية الكبرى بأن حتى الماء يسمع ويتأثر بل ويتفاعل بجزئياته، فتتغير أنماط تركيبته الجزيئية فتظهر تركيبات رائعة تشبه نجوم السماء وحبات الماس تتلألأ حين يهمس الإنسان للماء بكلمات جميلة وليس أجمل من القرآن وذكر الله، فتبين من دراسات مؤكدة أن التركيبة المائية تتشكل ببهاء باهر بعد قراءة كلام الله أو ذكره عليها.
وهذا ما يفسر عجيبة تأثير الماء المقروء عليه الرقية في علاج الأمراض والسر في كون زمزم شفاء خاصة بعد قراءة القرآن عليه، وزمزم ذاته تركيبة فريدة بمعايير متفردة من الماء لا تشبه أي ماء آخر على سطح الكوكب.
تنبه صديقي الإنسان المغرور دوما، فلست وحدك من تسمع وترى وتفهم وتدرك، بل حتى الماء يسمعك، كفاك تجبرا على باقي المخلوقات بسليط لسانك وقبيح كلماتك.
وربما كون الماء العامل الفاعل والمحرك الذي يمنح كل شيء صفة الحياة بقدرة الله (وجعلنا من الماء كل شي حي) ربما صفة الحيوية إنما يأتي من مخلوق يشعر ويتفاعل فهو أيضا حي بمشيئة الله وقدرته.
وإن كان الماء يتأثر بالكلمات أفلا نوقن بمدى أهمية الكلمة والحرف وتأثيرهما!؟
فذاك الذي ينادي بأهمية الأفعال مقابل الأقوال، ترد عليه جزئيات الماء التي يتجرعها بأن كل مخلوق يحتاج للطيف عبارة وعذب مقولة، فالكلام نعمة من نعم الله الكبرى الدالة على الإعجاز الإلهي، والكلمات التي تحول جزيء الماء الباهت النمطي المغمور إلى أيقونة متوهجة هي ذاتها ما يحتاجه قلب يابس وروح منهكة من شح التعبير وجدب الغيث الكلامي، ومن يحب الفعل أكثر من الكلمة نقول له:
اسألِ الكأس الذي به الماء النمير..
كيف السبيلُ إلى ماسٍ وسفير !!
فإن كان الماء يلبس غلافا من نور مما يقال له، كحورية تتأنق ببارع دثار، وفاتنة تأتلقُ بعبقريِّ جوهر، والماء تقيم جزيئاته عرسا بهيجا احتفالا بجميل كلمة تلقى على صفحته فتُنصب ملايين المصابيح لتشكل مهرجانا فريدا خفيا في جزيء ماء لا يدرك العالم المحيط عن رونقه شيئا .
فأنّى لابن آدم ألا يقتله حرف وتحيي وجدانه كلمة !
التعليقات 1
1 pings
يبات علي فايد
27/05/2023 في 9:40 م[3] رابط التعليق
مقال رائع، وختام أروع.
لا فض فوك د. فاطمة.
(0)
(0)