إن الحياة عسر ويسر، لقاء وفراق، دمعة وابتسامة، ورد وشوك، نعم، هذه هي الحياة بكل مقوّماتها. فالحياة بحر خضم تتزاحم فيه قوارب اليسر والراحة والنعيم، وتتباعد إلى شواطئه قوارب العسر والتعب والشقاء، ونحن في وسط هذا البحر نشقّ عبابه وتبحر بنا السفينة، فإمّا أن تتهاوى بنا أمواجه إلى برّ الأمان أو نغرق وننجرف مع تيّاره.
ففي رحلة حياتنا، نمرّ بالكثير من المنعطفات، منها ما يبعث السرور في النفس، ومنها ما يبعث الهّم، فحياتنا مليئة بالصعوبات والتحدّيات والمشقّات والضغوطات التي تواجه الإنسان من المهد إلى اللحد، وإنكار حقيقة أن الحياة لا بدّ أن تجرّعنا جرعات من خيبات الأمل والخسائر والأذى والانتكاسات والإحباطات أمر غير واقعيّ ، ولكن ما يصنع الفرق الحقيقيّ بين إنسان وآخر هو كيفيّة مواجهة هذه التحديات بوعي وحكمة وهدوء وصبر وقوّة تحمّل.
فأمام تحدّيات الحياة، نحن نقف أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا أن نشدّ أزرنا ونستلّ سيفنا ونحارب ونواجه وننطلق من جديد وإمّا أن نستسلم.
” إنّ الحياة يومٌ لك ويومٌ عليك”، وهي لحنٌ ساحرٌ جميل وهبه الله للبشرية لتتمتّع به متعة غير محدودة، فلماذا لا نستغلّ هذه الفرصة ونسير في ركاب الجمال والفرح مبتعدين كل البعد عن درب الأحزان والهموم؟ لماذا لا نتّشح بوشاح التفاؤل والأمل ونقذف بثوب التشاؤم في غياهب العدم؟!
من رحم الصعوبات يولد الأمل.. فلننطلق ونجدّد أذهاننا ونسير نحو موسمٍ جديدٍ مزهر، ولنكن على ثقة بأنّه مهما كبرت التحدّيات، فلا بدّ لفجر الأمل أن يشرق ولا بدّ للأحلام أن تتحقّق، وعندها ستتضاعف تعويضات الله.
قد نتساءل: هل يمكن للصباح أن يرتدي لون النقاء بعد عتمة الليل؟ نعم، إنّ الصباح يبثّ أنفاسه بنسمات فرح تنفث في الروح أملاً بأن القادم أجمل وبأن الإنسان الحكيم والواعي هو من يعرف كيف يدير صعوبات الحياة وينطلق نحو حياة أفضل.
إنّ دوام الحال من المحال…. لذلك كلما اشتدت العواصف كونوا على ثقة بأنّ الشمس لا بدّ أن تشرق وتكون أكثر تألّقاً وإشراقاً.
وفيما يلي نصائح أتمنى أن تساعدكم في الانطلاق من جديد كلّما واجهتم عثرات وضغوطات وتحدّيات:
كونوا ايجابيين؛ فالإيجابية هي إكسير النجاح. إنّ الإيجابية ليست شعاراً رنّاناً بل هي مهارة يمكنكم تعلّمها حتى في وسط أقسى ظروف الحياة؛ فهي طريقة تفكير وطريقة تصّرف.
ركزّوا على ما تريدون وليس على ما لا تريدون.
اصبروا فالصبر مفتاح الفرح.
تعلّموا فن حب ّالذات وتقديرها.
تقبّلوا كل ما يحدث لكم؛ فالتقبّل هو الخطوة الأولى نحو التغيير.
توقعوا الخير وارسموا سيناريوهات إيجابية وعيشوها بكل ما تحمل من مشاعر؛ فتصبح واقعاً.
لا تسمحوا للظروف الصعبة أن تحطّم أحلامكم أو تقضي على آمالكم؛ كونوا واثقين بأنكم حتماً ستجدون النور في نهاية النفق حتى وإن بدا لكم أنّه لا مسلك للنجاة.
ابتسموا للحياة فالحياة كالمرآة نحصل على أفضل النتائج عندما نبتسم لها، وقد أثبتت الدراسات أن الابتسامة في المواقف الصعبة تحرّر العقول من القلق حتى ولو لفترة مؤقتة.
ليكن لديكم وعي كافٍ بأنّ الإنسان ليس بوسعه التحكّم في الأحداث التي يمّر بها، لكن يمكنه التحكّم في ردّات فعله تجاه هذه الأحداث.
ردّدوا عبارات التوكيد الإيجابية؛ فعقلنا الباطن أقوى بكثير ممّا قد نتصوّر.
ابتعدوا عن الأشخاص السلبيين وحاولوا التواجد قدر المستطاع ضمن صحبة إيجابية؛ فالإيجابية معدية والسلبية أيضاً.
توجّهوا لطلب المساعدة من أخصائية أو صديقة داعمة مخلصة تستمع لكم فتفرّغوا المشاعر السلبية، واعلموا أن هناك دائماً حلّ ولكنّه فقط ليس أمام أعينكم.
صلّوا ولا تملّوا فالصلاة تصنع المعجزات.
خذوا العبر من تجاربكم السابقة؛ فالتجارب والصعوبات والألم وجدت في حياتكم لتجعلكم أكثر قوة وصلابة وأكبر وعياً.
تدرّبوا على ممارسة الامتنان بشكل يومي وبغضّ النظر عن ظروفكم؛ فالامتنان هو تكنولوجيا روحانية تعمل على تعزيز الفضيلة تلقائيا،ً وهو يفتح أعينكم لاحتمالات لامتناهية في هذا الكون الرحب.
تعلّموا اصطياد لحظات السعادة في أبسط الأمور… في ضحكة طفل، في كلمة رضا من الوالدين، في قطعة حلوى لذيذة، في لحظة صراحة مع صديق وفيّ، في فرحةٍ تتراقص بين عينيّ محتاج أرسلكم الله له. أجل، اصطادوا لحظات السعادة واجعلوا منها مخزوناً يمكنكم استحضاره في أشدّ اللحظات حلكة لتشعروا بالرضا.
إن الحياة كالبحر الهائج، فإن أردنا الوصول إلى شاطئ الأمان لا بدّ وأن نمخر عباب هذا البحر ولكن على متن سفينة آمنة تدعى الأمل. فلنعش حياتنا دون تجاهل اللحظات الجميلة مفكّرين برهبة الغد، بل لنفكّر في كيفيّة استغلال كل لحظة من لحظاتها في سبيل تحقيق السعادة. فلتبتهج قلوبنا ولنكن على يقين بأن السحابات السوداء التي تغطي سماء حياتنا لا بدّ وأن تنقشع، ولا بدّ للسعادة أن تتحقق. هذه السعادة مثلها مثل قوس قزح؛ متى حلّ ينعم الكون بأسره بالإشراقة والدفء والبهجة. ولكن هذا القوس الجميل الساحر لا يمكن أن يظهر إلا بعد اشتداد العاصفة، ولا يمكننا أن ننعم بإشراقته ودفئه إلاّ بعد سقوط الأمطار.
لقد خلقنا الله ومنحنا نعمة لا تقّدر بثمن – نعمة الحياة – ومنح لكلّ منا جانباً من السعادة؛ فلنبحث عن ذلك الجانب مهما كان ضئيلاً، فلنبحث وكلّنا يقين بأننا سنجده وإلّا كنّا مثل ذاك الكهل الذي طالما بحث عن نظاراته، فإذا به يجدها بعد طول البحث – فوق رأسه!