*المُبرر والمُحيّر:
كم من علاقات فسدت بسبب جهل الدوافع والأسباب، وكم من كبرياء وعناد دمر علاقة جميلة بين الناس فقط لسيادة الجهل بسبب تصرف ما أو فعل ما خاصة إن كان هذا الفعل خطأ شائعا.
الخضر -حين سأله موسى المرافقة- تحسّب مما سيصيب موسى من استنكار لأفعال منكرة لا يعرف حكمتها موسى وفق علمه المحدود وبالتالي سيرفضها، ويقرر القرآن (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا)، قاعدة هامة بأن جهل السبب وغياب المسوّغ يؤديان لإنكار الخطأ بشكل اعتيادي فلا لوم على من يطلب التبيين بل قد يؤديان للفهم الخاطئ أحيانا.
وعليه فلا نطالب الناس بأكثر مما يحتملون، حتى أغلب البشر العاديين -وليس فقط نبي الله موسى- لا يحتملون حدوث الخطأ الظاهر ويحتاجون لتقديم مبرر يشرح الحكمة من أمر ما مهما كانت درجة الثقة فيمن أمامهم بل وحتى إن كان هذا الأمر عاديا.
فالبعض يريد منك اتباعا كإمّعة بلا اعتراض ولا استنكار ولا فهم وهذا يخالف القاعدة العامة .
*الشرط شريعة المتعاقدين:
ومع أن تلك الآية أومضت بفائدة حول ضرورة بيان الحكمة والمبرر، إلا أن الآيات التي تليها بينت وببراعة عظيمة لا تراها إلا في كتاب الله، بينت أن هذه القاعدة ينفيها الاشتراط؛ فالخضر هنا وافق على أن يتبعه موسى شريطة عدم الفضول وتعطيل لغة الاستنكار والتعجب حتى يشرح بنفسه مبررات ما فعل وفق العلم الذي أنعم به المولى عليه، فما أروع التربية القرآنية،
( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )
كثيرون يرفضون الاشتراط ..
مع أنه مشروع في
الصحبة والزواج والعمل والمهام.
إذ أن وضع المعايير يسهل المسيرة وعلى من قبِل أن يرضى.
*اسطاع واستطاع:
ذكر المفسرون أن الفائدة من هذا التغاير هي فائدة لفظية ، وأن هذا هو مقتضى الفصاحة ، حتى لا تكرر الكلمة بلفظها فإن ذلك معيب عند الفصحاء .
ويذهب كثيرون إلى أن الزيادة في المبنى تؤدي إلى الزيادة في المعنى، فعبر ب"تستطع" عندما كان الأمر صعبا قبل أن يفسره صاحب موسى وبعد تفسيره وإدراك موسى للسبب أستخدمت "اسطاع" لأن الموضوع صار أسهل وأخف.
*ومثلها "اسطاعوا واستطاعوا"،
فالآية تقرر في قصة ذي القرنين: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) الكهف / 97 .
"يظهروه"يعني يصعدوا فوقه، و"نقبا" معناها حفرا من خلاله، لذا فصعودهم على السد وارتقاؤه أقل صعوبة ومشقة من نقبه ومحاولة حفره ، ولذلك جاء في الأول بحذف التاء (فما اسطاعوا أن يظهروه) وجاء في الثاني بالتاء (وما استطاعوا له نقبا) .
القرآن ذروة البلاغة والفصاحة والبهاء المدهش، ليس من حرف ناقص بلا داع، ولا حرف زائد لمجرد الحشو، بل هو بلسان عربي مبين وجاء تاجا مرصعا كأجمل ما يتجلى ويتحلى بدرر وجواهر كنوز العربية.
التعليقات 1
1 pings
شعاع الوطن
24/11/2023 في 6:33 م[3] رابط التعليق
بارك الله فيك ..
(0)
(0)