اختتمت امس الخميس أعمال “ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما” في نسختها الثانية، التي أُقيمت في رحاب المسجد النبوي, بحضور عدد من أصحاب الفضيلة العلماء ونظمتها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بالتعاون مع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وبالشراكة الإعلامية مع وكالة الأنباء السعودية.
وخلال حفل الختام، رفع معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس الشُكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين، ولسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على الموافقة السامية لتنظيم الندوة، التي تجسد اهتمام القيادة الرشيدة -أيدها الله- بقاصدي الحرمين الشريفين وإثراء تجربتهم الدينية ومعارفهم الشرعية، وتأتي امتداداً للجهود والخدمات التي تسخرها المملكة العربية السعودية في سبيل إيصال رسالة الإسلام الحق، ورسالة الحرمين الدينية وهداياتهما للمسلمين والإنسانية على أكمل وجه، وترسيخ المنهج الوسط المتفق مع الشريعة الإسلامية في شتى الجوانب والمجالات، مثمناً مشاركة أصحاب الفضيلة والمعالي التي أثرّت وأضافت لجلسات وأعمال الندوة طيلة الثلاثة أيام الماضية.
وقال معاليه: “إن ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين، ندوة مباركة، عظيمة في فكرتها، سامية في أهدافها، مباركة في آثارها ومخرجاتها، وأن موضوع الفتوى، موضوع مهمّ يحتاج إلى تأصيل وتجلية، والعناية بمنزلته ومكانته، وبيان ضوابطه والعناية به في الحرمين الشريفين”، مُشيراً إلى أن من أهمّ أوجه الخدمة المقدمة لزائري الحرمين الشريفين: إيصال الكلمة الطيبة، الفتوى المؤصّلة، الدليل الناصع، المنهج السليم، في عالم مضطرب؛ في فتاوى شاذة، ومواقع مشبوهة، تؤثر على الناس في عقولهم وفي دينهم، وتخرج بهم عن منهج الوسطية والاعتدال، ولهذا جاءت ندوة الفتوى لتأصيل هذه القضيّة المهمّة، من رحاب المسجد النّبوي، وأن من أهمّ أهداف هذه الندوة؛ العناية بمقاصد الشريعة، وأهمّها: مقصد التيسير ورفع الحرج، لأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ما سُئِل يوم النحر عن شيء قُدّم ولا أُخّر إلّا قال: “أفعل ولا حرج”، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
إثر ذلك ألقى معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور فهد بن سعد الماجد, كلمةً نقل خلالها تحيات وسلام سماحة مفتي عام المملكة الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ الذي تابع هذه الندوة وافتتحها بكلمة أبرز فيها معالم مهمة للفتوى.
وقال: “نص النظام الأساسي للحكم في مادته الخامسة والأربعين على أن مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء وهذا الاهتمام من هذه الدولة المباركة جاء انطلاقاً من مكانة الفتوى في كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، مُشيراً إلى أن الفتوى من الوسائل المهمة لضبط زمام الأمور، فإنها لو تُركت الفتوى فوضى سيتخلل من خلالها أدعياء العلم ويسببون الفتنة والفرقة بين المسلمين ولذلك جاءت هذه الأنظمة والتعليمات والأوامر الكريمة بضبط هذا الموضوع، وأن سماحة المفتي العام يهتم غاية الاهتمام بذلك من خلال رئاسته لهيئة كبار العلماء التي تنظر في الفتاوى العامة التي تهم عموم المسلمين ومن خلال رئاسته للجنة الفتوى التي تنظر في المسائل الفقهية وهو يهتم بالشأن العلمي والإفتاء عامة ويتابع ذلك متابعة دقيقة، سائلاً الله تعالى أن يبارك في الجهود وأن يسدد الخطى وأن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء على هذا الدعم غير المحدود للنشاط العلمي والإفتائي والدعوي”.
من جهته، ألقى عضو مجلس الوزراء معالي الدكتور صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ كلمةً قال فيها: حظيت هذه الندوة بموضوعات دقيقة في موضوع هذه الساعة الموضوع الذي يتطرق له كل أحد اليوم في كل الوسائل بالمشاركة في دين الله، والمشاركة في نشر ما يشاؤون عن الإسلام وعن القرآن وعن السنة وعن تفاصيل هذا الدين عقيدةً وشريعةً وأحكاماً، فلا شك أن ما يربط الناس هو الفتوى، والفتوى التي تجعل المستعجل يتأنى وتجعل عدم العاقل يعقل وتجعل عدم البصير يتبصر والمقصر في علمه وبحثه يزداد علماً وفهماً، مُبدياً سروره كجماعة أهل العلم الذين شاركوا في هذا الموضوع المهم الذي ينطلق من الحرمين الشريفين في الفتوى فيهما بخصوصها وهي في الفتوى بعامة بكل ما يتعلق به شأن المسلم.
وبين معاليه حاجة الناس إلى هذه القواعد والضوابط وإلى هذه الطرق في استخدام الفتوى في حياة الناس بعامة وفي الفتوى في الحرمين بخاصه، مؤكداً أهمية ضبط الكلمة في بيان الدين وضبط الكلمة في بيان القرآن والسنة وضبط الكلمة في الفتوى، الذي له أثر كبير، لأن الكلمة إذا خرجت من قائلها المؤثر في الناس اليوم يتداولونها الناس إما شفهياً وإما يتداولوها عبر وسائل التواصل المختلفة التى إذا طارت الكلمة شرقت وغربت ووصلت إلى الملايين من الناس لهذا كان من اللوازم أن نعين بعضنا بعضاً في ضبط الكلمة، وأن لا نعدو لغة العلم فالعلم له لغة، بها يحترم صاحبها وله لغة في أداء العلم يحترم بها صاحبه ويؤخذ عنه بها وتحفظ وتنقل، فكلمات العلم إنما تحفظ إذا كانت بلغة وكلما كانت بلغة العلم التي هي مأخوذة من كتاب الله وسنة نبيه -صلّى الله عليه وسلّم- فإنها تؤخذ وتحفظ وتوعى وتبلغ للناس وتنشر، فضبط الكلمة أمر مهم في تحسين المقصود من رفع الحرج ومن بيان الدين في الفتوى والدعوة عامة.
وفي ختام الحفل، صدَر عن “ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما” في ختام أعمالها، وثيقة المسجد النبوي في الفتوى، التي تضمنت جُملةً من الوصايا التي أوصى بها المتحدثون من أصحاب الفضيلة والمعالي المشاركين في أعمال “ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما” في نسختها الثانية، حيث اشتملت الوصايا على: أولاً: إبراز الدور الريادي لرسالة الحرمين الشريفين العالمية في الفتوى ومكانتها وحرصِ المملكة العربية السعودية على تيسير الفتوى لقاصدي الحرمين، ثانياً: المحافظةُ على سلامة أفكار المجتمع -لا سيما قاصدي الحرمين الشريفين- بالفتاوى الصحيحة، وإظهارُ مَعَالِمِ المنهج الوسطي الذي تلتزمه المملكة العربية السعودية في جميع المجالات، ثالثاً: الإسهامُ في بيان الأحكام الشرعية لقاصدي الحرمين الشريفين في كثير من المسائل التي تواجههم، وسدِّ حاجتهم للإفتاء، والعملِ على نشر المعرفة الدينية بين المسلمين، وإرشادِهم إلى الاقتداء بالهدي النبوي في شتى المجالات، رابعاً: تعزيز دَوْرِ المسجد النبوي ومَعَالِمِهِ الدَّعْوِيَّةِ والتثقيفية لإظهار أثرِ السَّماحَةِ النَّبوِيَّةِ في الفَتْوى، وجَمْعِ الكلمة، وتوجيه الناس بالَّتي هيَ أحسنُ، مع مُراعاة الحِكْمَةِ في ضبطِ اختلاف مذاهب الزائرين، وصِدْق عاطِفَتِهِمْ، والصُّدورُ في كُلِّ ذلك عن عِلْمٍ ونصيحة، خامساً: الحرصُ على ربطِ الفتاوى بأدلة الكتاب والسنة، وما صدر عن المجامع الفقهية، وقرارات هيئة كبار العلماء، وما جرت عليه الفتوى، والبُعْدِ عن الآراءِ الشاذة، والأقوالِ المهجورة، سادساً: العملُ على توحيد الفتوى في المسائل الاجتهادية التي يكثر السؤالُ عنها في الحرمين الشريفين، سابعاً: إبرازُ تمَيُّزِ الفتوى في الحرمين الشريفين؛ بما تتضمنُه من الوسطية والاعتدال، واعتبارِ المآلات، واستحضارِ الحال في فتاوى المسائل التي تتغير فيها الفتوى لمقتضيات شرعية متصلةٍ بتغَيُّرِ الزمان والمكان، مع مراعاة مقاصد الشرع الكُبْرى ومنها: حفظُ الضرورات الخمس، ثامناً: الاهتمامُ بتحقيق غايات الفِقْهَيْنِ الأكبرِ والأَصْغرِ، وهما توحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له، مع الفِقْهِ بالفروعِ الشَّرْعِيَّة، والحرصِ على جمعِ الكلمة ولزومِ الجماعة والسمع والطاعة، والحذرِ من الشذوذ والفرقةِ والتعصبِ والنزاع، تاسِعاً: توجيهُ الْمُفْتِينَ للاعتناء بمسائل فِقْهِ المناسك والعباداتِ الْمُتَّصِلَةِ بالحرمين الشريفين، وإحالةِ ما يتصل بغيرها من الأمورِ للجهاتِ المعْنِيَّةِ، عاشِراً: تخصيص كرسي للتدريس والإفتاء في الحرمين الشريفين، يتناوب عليه أصحاب المعالي والفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء،واستثمار ما حباهم الله من مكانة علمية عليّة، لتحقيق رسالة الحرمين الشريفين في نشر الهدايات للعالمين، حادِيَ عَشَرَ: تطويرُ منظومة إجابة السائلين في الحرمين الشريفين، وضبطُ مساراتها باختيارِ المواقعِ المناسبة لإجابة السائلين، وزيادةُ أعدادها بما يتناسب مع الزيادة المطَّردةِ لأعداد الحجاج والمعتمرين، وتطوير ِهواتفِ الاتصال في الحرمين الشريفين، وإطلاقُ خدمة الاتّصالِ الموحَّد، ثانِيَ عَشَرَ: إعداد موسوعة عِلْميَّةٍ وَرَقيَّةٍ ورَقميَّةٍ، تكون مَعْلَمَةً جامِعَةً لفتوى قاصدي الحرمين الشريفين، باللغات المختلفة، تُراعي ما سَبَقَ بيانُه في التوصيَّاتِ، مع إفادتها من التِّقْنِيَّاتِ المعاصرة، وتسخير الذَّكاءِ الاصْطِناعي في التعرُّفِ على حالِ المستفتي، لإيصالِهِ بالفتوى المناسبة لسؤاله وحاله، ثالِثَ عَشَرَ: تطوير مهارات المشاركين في برنامج إجابة السائلين؛ بإقامة دوراتٍ تدريبيَّةٍ مُتخصّصةٍ، وعقد لقاءات علمية وإثرائيّةٍ دَوْريّةٍ، بما يواكبُ مُتَطَلَّباتِ العَصْر، ويعزِّزُ من المَهَاراتِ الاتِّصالِيَّةِ للارْتِقاءِ بخدمةِ زُوَّارِ الحرمين الشريفين وقاصديهِما، رابِعَ عَشَرَ: مواكبة التطور التِّقْنِيِّ، والإفادة من التِّقْنِيَّاتِ الحديثة لإيصال الفتوى للمستفيدين بأسرع الطرق وأسهلها، خامِسَ عَشَرَ: الاعتناء بوجود مُوَجِّهاتٍ في الحرمين الشريفين -بالتَّعاوُنِ مع الجهات الشرعية والجامعات في المملكة العربية السعودية-؛ يَقُمْنَ بمهمة إرشاد القاصدات، ولا سيَّما في الفتاوى التي تخصُّ المرأة، سادِسَ عشَرَ: الاستعانة بمترجمين لهم أهليَّة شرعيَّة كافية، لسدِّ الحاجة الماسَّة لإجابة السائلين بغير اللغة العربية، وضبط الفتوى باللغات من خلال إعداد قاموس خاص بالمصطلحات الشرعية الخاصة بالحرمين الشريفين والمناسك، سابِعَ عَشَرَ: تهيئة جميع الإمكانات وتسخيرها لدعم برامج إجابة السائلين في الحرمين بما يضمن استدامتها وجودة أدائها، ثامِنَ عَشَرَ: المحافظةُ على المخرج النِّهائي ِللفتوى، ومتابعةُ تفاصيلهِ حتى يكونَ مُؤَدِّيًا غرضه ومراده، التاسع عشر: تشكيل لجنة مشتركة من رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، لمتابعة هذه التوصيات، والإشراف على تنفيذها، العشرون: يوصي المشاركون برفع برقية شكر وامتنان وتقدير وعرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على الدعم غير المحدود للحرمين الشريفين وقاصديهما، وعلى الموافقة الكريمة لإقامة هذه الندوة، واصلين شكرهم لسمو أمير منطقة المدينة المنورة وسمو نائبه على الرعاية والتشريف.