صدرِي يجيشُ وعيني تَهمِلُ الدّمعا
ولوعةُ الوَجدِ في حرّ الجَوَى تَرعَى
أبكِي وتلْـــهَثُ أنفاسِــي لِـفقدِ أبي
ومَـا لِعــينيَ لا تبـكـيهِ إذْ يُنـعَــى
ناديتُ يـا أبتــي لا شـيءَ يسـمعُني
ما كنتُ ناديتُ إلا الصـمتَ والرَّجْـعَا
حتَّى الحمائمُ باحتْ بالشّـجا علَناً
أضـحتْ تُـردّدُ ألحـانَ الأسـى سـَجْعَا
فقـدتُ قــرّة َقلبـي كــلَّ فرحـتِهِ
مضَـى الحـنانُ وأوْهـى بَعـدَهُ النَّبعَا
مَن لي يُفرّق ُوَجْـدَ الصدرِ بَعدَ أبي
ومـَنْ إذا جَـلَّ خطْـبٌ يَـرْأبُ الصّدْعَا
وَمَـنّ يجـمّلُ أفـراحِـي ويحـزن لي
ويمسـحُ الدمـعَ مِنْ طرْفٍ ذَوَى هَمْعَا
ما زِلتُ أسـمعُ ما يَحكِيهِ مِـنْ طُـرَفٍ
ومِـنْ حَكَـايَا مَضَـتْ أُصغِي لهَا سَمعَا
ما زلـت أشـتَمُّ فـي الأنحَـاءِ رِيحَـتَهُ
كـأنّمَـا هِـيَ مِسْــكٌ حَفَّــنا ضَــوْعَا
ما زلتُ أسْـمعُ في الأرجـاءِ ضِـحْكتَهُ
تُناغِـمُ الأُنـسَ تُنسِي الواجِدَ اللّوْعَا
يَضُـمّنِـي صـدرُهُ فـي كُـلِّ مُحْـدِقَةٍ
وحُضْـنُهُ صَـدّ عني الحُزنَ والرَّوْعَا
مَنْ بَعْـدَه يحْتوِي ضِيـقِي ويَحمِلنِي
عَلى كُتوفِ الضّنَى لا يَسْأمُ المَسْعَى
لا يسْـــتَريــحُ لَـهُ بــالٌ ولا قَــدَمٌ
ولا يَبيـــتُ ويَــدرِي أنّـنَـا جَـوْعَى
كَـمْ هَـدّهُ تعــبٌ كـمْ نـالَهُ نَصَـــبٌ
وأوغَــلَ الدهــرُ في أسْـنانِهِ قَـرْعَا
وَكَـمْ تحـــمّلَ أعــــباءً لِيَحْــمِلَـنَا
وَدَعّ شَــرَّ البـَـلا عَــنْ دَرْبـِـنا دَعَّـا
كَيْـمَا نَظَــلّ بأيْــدٍ تحــتَ قُـوتـِـهِ
ولا يَجِـــفّ لنا ضَــرْعٌ ولا مَـرْعَـى
فِـي وَجْـهِهِ رَسـَـمَ التّـاريـخُ لوحـتَهُ
مِـنَ التجَـاعِـيدِ حـتى بَانَ مَـا أوْعَى
فـي كـلِّ شــيءٍ بَـهِـيٍّ بِــتُ ألمَـحُـهُ
في الشمسِ في البدرِ في النورِ الذي شَعّا
أرى بغُـــرفــتِهِ سـُــجادةً طُـــوِيَــتْ
قَــدْ كانَ فيــها يُصلي الوتر والشفعا
ثِيابُـــهُ لـمْ تــزلْ فــيها مُـعــلقَـةً
وتِـلكَ سُـمْجـانُهُ حَـنّتْ إلى الرُّجْعَى
هُـناكَ يَجْـلــسُ مَـرْبوعــاً ومتــكِـئا
وهَهُــنا كــانَ بَشّــاً يرقُـبُ الجَـمْعَا
هُـنا يُـرتّـلُ فِــي أحــزابِ مُصــحَفِهِ
صَـوتاً تَوَسّــطَ لا خَفْضـَـاً ولا رَفـعَا
وتـلك ســاعــتُهُ تجــرِي عَـقارِبُــهَا
وإنّـمَـا هِــيَ فـي آجــالِــنَا تَسْــعَى
بَكَــى عَــليهِ يَتـامَـى كـانَ يحْــمِلُهُمْ
كـمْ ظـلَّ يُشـعِلُ فـي ظَلمائِهمْ شَمْعَا
بكــاهُ مِــنبَرُ جَـــمْعٍ ظــل يَعْـــمُرُهُ
دهْــراً يُبيّنُ فــيهِ الحــقَّ والشّــرْعَا
مَـا طـالَ عُــمْرُ فتــىً إلا إلــى أجَــلٍ
والمـوتُ يُـدرِكُ فـينا الأصْـلَ والفَرْعاَ
هِـــيَ الحـــياةُ فَــــنَاءٌ لا دوامَ لَـهَـا
حَتماً سنُصبِحُ في الدنيا مِنَ الصّرْعَى
مضَــى أبِــي ولــهُ ذِكــرَى تُخـَــلّـدُهُ
فِـينا وأعْــينُ شَــوقٍ تـَـذرِفُ الدمْــعَا
يـا ربِّ فـارْحمْهُ واجـعلْ قـبرَهُ سِــعَة
واكتبْ لـهُ الخيـرَ والرضْــوانَ والنفـعَا
وَهـَـبْ لهُ جَـنَّــةَ الفِــرْدَوسِ مَنــزِلةً
واجْـعَلْـهُ ممّـنْ إلــى أبْـوابِــهَا يُدعَـى