في الحاضرة الأمريكية الشهيرة "نيويورك"، وتحديدا في مقر "منظمة الأمم المتحدة"، يقع ما يسمى "بمجلس الأمن الدولي"، ذلك المجلس الذي يعد أقوى أجهزة "الأمم المتحدة"، وهو الذراع المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وله في سبيل ذلك كافة الصلاحيات، بما فيها استخدام القوة العسكرية.
أنشئت "منظمة الأمم المتحدة" التي تضم "مجلس الأمن"، بتاريخ ٨ / ١١ / ١٣٦٤ للهجرة، وبعد إنشائها بأشهر قليلة عقدت أولى جلسات "مجلس الأمن" التابع للمنظمة الدولية، في ١٤ / ٢ / ١٣٦٥ للهجرة.
يتكون "مجلس الأمن" التابع "للأمم المتحدة" من خمسة عشر عضوا من أعضاء "منظمة الأمم المتحدة"، منهم خمسة أعضاء دائمو العضوية، ولهم حق النقض أو "الفيتو"، وهم { الولايات المتحدة الأمريكية _ الإتحاد الروسي _ المملكة المتحدة _ الجمهورية الفرنسية _ جمهورية الصين الشعبية }، وأما الأعضاء العشرة الباقون فيتم انتخابهم من قبل "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، لمدة عامين، مع اضمحلال إرادتهم في المجلس أمام إرادة الدول الخمس الكبرى.
لقد أفضى انتصار القوى العظمى في الحرب العالمية الثانية إلى حصولها على ما يسمى بحق النقض - الجائر - في "مجلس الأمن الدولي"، ذلك التعسف الذي يعتبر في حقيقته إجهاضا لأي قرار قد لا يروق لأحد تلك القوى الخمس، دون أدنى اعتبار لباقي دول العالم وشعوبها، فتستطيع إحدى تلك الدول أن ترتكب الجرائم، وتخرق المعاهدات، وتتجاهل القوانين، فإذا ما قدم مشروع قرار إلى المجلس يدعو إلى محاسبتها، أو يدين جرمها، أو يشجب عدوانها استخدمت "الفيتو"، فنجت من الجزاء، واستمرت في التجاسر، لينقلب أمنه المزعوم إلى رعب معلوم.
ومن الاهتماط البين أن ذلك المجلس العاسف والذي يفترض أن يكون ممثلا لكل أقاليم وشعوب العالم بأسره لا يحوي مقعدا دائما لبلد مسلم !
فيا للعجب !
كيف لأمة المليار أن تكون مغيبة عن مجلس يزعم أنه يمثل إرادة العالم أجمع دون إقصاء ؟!
إن المتأمل في هيكلة وتنظيم ما يسمى "بمجلس الأمن الدولي" يرى أنه من المحال تطبيق قرار يعارض مصالح أحد القوى الخمس، حتى ولو كان ذلك حساب أمن واستقرار عشرات الدول الأخرى، وبما أنه ليس للمسلمين مقعد دائم في المجلس فإن حقوقهم ومصالحهم ستكون حتما تحت إرادة مجموعة الرعب الخماسية، ولنا في القضية الإسلامية الفلسطينية خير غرار، فمن عام ١٣٩١ للهجرة إلى عام ١٤٢٦ للهجرة استخدمت "الولايات المتحدة الأمريكية" ما يسمى بحق النقض ضد اثنين وأربعين قرارا تدين جرائم العدو الصهيوني المحتل ضد الشعوب المسلمة، أي على مدى ما يقرب من أربعة عقود !
ولا يمكن أيضا أن ننسى ما فعله "الاتحاد السوفيتي" سابقا في بلاد الأفغان من فظائع مهولة، دونما حسيب !
وكيف نتغافل عن ما يفعله الدب الروسي اليوم في الأراضي السورية، بعد أن استخدم هو شريكه الصيني "الفيتو" ضد قرار يوجب التدخل العسكري في "الجمهورية العربية السورية"، لإنقاذ شعبها من لقيط أعدائها !
لقد صدق الشاعر حين قال /
قـل مـا تشـاء فأنـت مجلـس أمنهـم
تــرضـــي أعــاديــنـــا ولا تـرضـيــنـا
وفي عام ١٤٣٤ للهجرة وقع الاختيار على "المملكة العربية السعودية" لتشغل مقعدا غير دائم في ذلك المجلس الباغي، فكان رد وزارة الخارجية السعودية هو رفض المملكة لتلك العضوية، مبينة دواعي اعتذارها عن القبول، موضحة أن ازدواجية المعايير في المجلس، وإخفاقه المستجهن في إيجاد حل للقضية الإسلامية الفلسطينية، وفي إيقاف العدوان على الشعب السوري المسلم، وفي الحد من أسلحة الدمار الشامل، هي أسباب كافية لرفض عضوية غير دائمة في مجلس يقر القتل، ويحمي القاتل.
وهنا تتضح الحقيقة التي ينبغي على كل مسلم أن يدركها، وهي أن أزماتنا لن تحل من قبل غيرنا، وأن أمم الشرك، والكفر، والنفاق، تتداعى على أمتنا المسلمة كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وأن المخرج من هذا الواقع المرير الذي قدره القدير هو اتباع المنهج الإلهي، وتوثيق أواصر التضامن الإسلامي، ليكون لنا شأن الأبي القوي.