منذُ صغري كنتُ اعتقد اني الوحيد بين يديهُما , ولكن اصبح يشاركُ عائلتي ضوءٌ كنتُ اجهل كنهه .
لقد اصبحَ ذلك الضوء يوجه لي طيلة اليوم , فعندما أبكي يوجه لي , وعندما ألعب كان جليسي الأقرب ,حتى أني لم أعد استطيعُ النوم دون أن انظر إليه .
كبرتُ واصبح ذلك الضوء جُلَّ اهتمامي , لقنني لغة جديدة , حتى اصبحتُ نجماً كما تنبأ لي , في الحقيقة انا انتمي له , فكم كان يخبرني كيف اتحدث , وكيفَ أُفكر , وكيفَ يكون هندامي, لديَّ خلفَ هذا الضوء المئات من الاصوات التي تُشيدُ بي ,المئات التي تنظرُ لي بعين الرقيب , والمئات التي بلا شك عائلتي الأقرب.
قد اغضب من والديّ لأجله واجد بهِ المواساة , ووصل الامر الى ان يُشبعَ شغفي تجاه كل شيء لم يحققاه لي , ولازال يعدني بمزيد من الثراء الذي لم اتوقعه.
جليسي الأوحد ,لقنني ,كون عقلي , حشد لي المئات من الأصدقاء , قلدني نجماً , إذاً انا الآن أبن هذا الضوء..! )
.
.
يقضي الأطفال ما يصل إلى نصف يومهم في اللعب , ففي ذلكَ تنمية لمهاراتهم العقلية والجسمية والروحية , واكتساب سلوك جديد ,لأنه في مرحلة قابله لمحاكاة كل ما يراه سواء عن طريق اقرانه او المحيطين به , فَيُعزز سلوكٌ ويقومُ اخر .
وفي ظل هذهِ المتغيرات التي نشهدها مؤخراً , احتلت وسائل التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي الجزء الاكبر من حياة الطفل , واصبحت الشريك المهم في عملية التعليم والترفيه وشغل اوقات الفراغ لديهم , لاسيما في حال تراجع دور احدى الوالدين أو كلاهما في عملية التنشئة والرقابة والتعليم بحجة انجاز المهام الأُخرى , مما يجعل الطفل تابعاً ومنقاداً لكل سلوكٍ يصله عن طريق الاجهزة الذكية , فهوَ حتماً سيجد القدوة والنموذج حينما يفقده في اقرب الناس إليه .
اما البعض الاخر جعل من طفله أداة في يد الشهرة , تُحركه الاضواء كيفما شاءت دون مراعاة لطفولته التي تُسلب , مقابل الآلف من المتابعين والمشيدين به.
ومن الطبيعي ان كلّ شيء يُقدم للطفل سيعتادُ عليه بلا شك , فما هوَ الحال حينما ينشأُ تحت تأثير الأضواء , وبما تقدمه من مغريات وحوافز ,وهي بذات الوقت تهدر المزيد من طاقته وتستنزف الكثير من طفولته دون ادراك للعواقب , بل ما تُخلفه تلكَ الشهرة من صفات سلبيه تنعكس على تصرفاته مع من هم حوله او تجعله يكتسب صفة الغرور والتعالي على اقرانه في بيئته التعليمية والأماكن العامة او حتى على مستوى الأُسرة.
ومن سلبياتها ايضاً انها تتعارض مع التزاماته التعليمية وقد تكون متطلباته تجاه احدى برامج التواصل من مهرجانات ولقاءات اعلاميه وقضاء غالب الوقت بها, سبباً لتأخره وتراجع تحصيله الدراسي , أو قد يعتمد الطفل على شهرته فقط لتحقيق مستقبله دون تعليم , واحياناً تؤدي كثرة الضغوطات من ناحية الاسرة او المتابعين إلى التوتر والقلق و العزلة خوفاً من الانتقادات لأنه مطالباً دائماً بالمثالية , وفي ذلك مخالفة لفطرته وتصرفاته العفوية .
نشأة الطفل تحت اضواء الشهرة في سنٍ مبكره , ينمي لديه ثقافة الاستهلاك دون اكتفاء مما يستنزف الوضع المادي لبعض الأسر , ولا يخفى على الجميع ما بهذا المجال من سعي حثيث لتقليد كل من يُبهر به و يكبره سناً , سواءً بالمظهر الخارجي , او السلوك , أو ببضع كلماتٍ يرددها , فيخرجُ لنا جيلاً فارغاً تابعاً لا قدوة , مُلقناً لا متحدث .
في الحقيقة أن اجمل ما في الشهرة أنها داعمه لجانب من مواهب الطفل , تُعطيه حب الناس له ولما يُقدم , وتُساهم بإيصال انجازاته لمن يتبنى هذه الموهبة , ويصبحَ داعماً لا مستغلاً فقط , ولكن تخطف تلكَ الاضواء اجمل مراحل عمره ,وتُلقى على كاهله الغض اعباءا تفوق قدراته , ويُصبح مقيداً برداء المثالية المصطنعة , لإرضاء رأي الجمهور , وإلا تقاذفته العقول المتنمرة.
.
.
" لا تقتلوا براءتهم بنَصْلِ الشهرة "