استمراراً لرحلتها الأدبية المنطلقة شعراً والراسية روايةً؛ أطلقت الكاتبة السورية ياسمين حناوي عملاً روائياً جديداً يحمل عنوان (بُكرا شي نهار.. أغنية مؤجلة) مستندةً على فكرة مفادها: (أنا أكتب.. إذاً أنا أعيش)، وناقلةً لحياة مجموعة من الشخصيات التي تتشابه معنا واقعياً بتفاصيلها الحياتية، وردود أفعالها، وتفاعلاتها مع المحيط المشحون بالحروب تارةً والغني بالحب تارةً أخرى. يحدث ذلك في بيئة موسيقية ظهرت جلياً في عناوين فصول الرواية المستقاة من أسماء أغنيات للفنانة جوليا بطرس في تقاطع إنساني يغوص لأعماق الذات ولا يطفو إلّا وقد أحدث بها أعظم التأثير.
المؤثر الأساسي في حياة أبطال العمل -الذي اختارت ياسمين إطلاقه في نهاية العام الحالي- هو (الأب) وما يعكسه وجوده في حياة أسرته سلباً أو إيجاباً، والبيئة الفعلية له تمتد ما بين سوريا ولبنان؛ البلدين الجارين اللذان أثّرت بهما الأحداث الجسام فزرعت بين أبنائهما التناحر والإلغاء والخوف؛ ولكن يبقى ثمّة بريق أمل يأتي من العقول الواعية والنفوس المتآخية. تنطلق حناوي من ضوء الأخوة ذاك على وجه التحديد لتثبت للقارئ أن الحب لا يعرف ديناً أو عرقاً أو منطقة، وكذلك الألم المشترك والهم المشترك. كلهم يوصلوا في المحصلة للتمسك بنقاط الالتقاء لا الاختلاف.
تصف ياسمين حناوي (بُكرا شي نهار.. أغنية مؤجلة) بقولها: “إنّها حكاية تدور فصولها الأبوية على شواطئ راميتا وبيروت المتصلتين جغرافياً والمنفصلتين سياسياً؛ وسط صراعٍ لتحرير أرض سوريا الكبرى وتحرير النفس البشرية من ذكريات الماضي الأليم. عندما يُساهم ذاك الماضي القذر بتدمير حاضر حبٍ جميل يتأثر بفجوات عمرية وبيئية وزمنية وربما عنصرية؛ لا يمكن لها أن تُهدم في ظلّ جبالٍ من الاختلافات الفكرية والثقافية ما بين سالبٍ وموجب كلاهما يصنعان الصفر المؤدي بالمحصلة لأول القصة”.
وحول المسببات المؤدية لخروج هذه الرواية للنور تقول المؤلفة: “يندرج إنتاج العمل الروائي ضمن قائمة أصعب الفنون الإبداعية، وأكثرها استهلاكاً للمشاعر الإنسانية؛ ولا ريب بأنّ الفكر الخلّاق ينتج في معظم الأحيان من رحم المعاناة، وهكذا تمت صياغة مقطوعة بُكرا شي نهار، وأفضل تسميتها مقطوعة لأنّ النَفَس الموسيقي حاضر بكافة أركانها، ومُؤثر على طبائع أبطالها، سواءً بأعمالهم أو بردود أفعالهم أو باقتحام جلساتهم الخاصة مع ذواتهم. أعتقد بأنّ القارئ سيشعر وكأنه ينصت لسيمفونية ممتدة الأثر تبدأ من الكلمة الأولى ولا تنتهي طالما في الروح رمقٌ من محبة”.
قدّم للرواية الدكتور نضال الصالح، أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة دمشق، ونائب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ونذكر من تقديمه: ” في “بُكرا شي نهار.. أغنية مؤجلة”، تحقّق ياسمين مقولة الإسبانيّ “ماريو فارغاس يوسا”، فهي تؤكّد من خلالها أنّ الكتابة بالنسبة إليها أشبه باعتناق دين، وبإيمان مطلق به، كما تؤكّد جدارتها بوصفها كاتبة روائية تمكّنت في وقت قياسي من كتابة اسمها في مدوّنة السرد الروائي السوريّ، والعربيّ أيضاً، كما يليق بصاحب تجربة عريقة وعميقة، بل تجربة دالّة على وعي مبدعها بأنّ الكتابة، أيّاً كان الجنس الأدبيّ الذي تنتمي إليه، مواجهة مع الواقع الممعن في وحشيته وقسوته لكي يتأنسن، بل لكي يكون لائقاً بوصفه واقعاً بشرياً، لا غابة مرهقة بوحوش في هيئات بشر”.
والجدير بالذكر أن ياسمين حناوي كاتبة وشاعرة من مدينة حلب دخلت مجال الصحافة المكتوبة بعد تخرجها من كلية الإعلام، وحققت مقالاتها الأدبية، وتحقيقاتها الاجتماعية نجاحاً واسعاً في وقتٍ قصير. برزت في النقد الفني، وناقشت موضوعاتها العديد من الأعمال الفنية والموسيقية والتلفزيونية والسينمائية. صدر لها ديوانين شعريين: (رائحة الياسمين)، و(فلامنكو)، ورواية باسم (أغَباني).