هذا اليوم الموافق 2019/12/31م هو آخر يومٍ لتتويج الأحساء بلقب عاصمة السياحة العربية الذي استحقته بجدارةٍ منذ غرة يناير 2019م لتبقى عاصمةً للحضارة الإنسانية مدى الحياة أجل فإنسانها هو الذي صنع حضارتها وساهم في صنع حضارة مناطق أخرى في بلادنا وفي دولٍ خليجيةٍ وعربيةٍ وعالمية ارتحل إليها منذ قديم الزمن حتى أن مصادر التاريخ تؤكد أن مدينة مقديشو أسَّسها ستة إخوةٍ من أبناء الاحساء بعد أن فروا من بطش القرامطة ومنهم من فر الى الهند وشمال أفريقيا لنشر الاسلام هناك فضلاً عن البصرة وغيرها من المناطق وما ذلك بغريبٍ فالأحساء من اقدم المواطن البشرية التي عرفها الانسان وحضارتها تعود الى ما قبل التاريخ بدءً بالكنعانيين الذين سكنوها منذ 5000 سنة قبل الميلاد ومن سلالتهم الفينيقيون الذين اشتهروا بالزراعة وشئون الري وركوب البحر والتجارة لذا فالانسان في الاحساء مرتكز رئيسي في صناعة حضارتها العريقة ومحور راسخ تدور حوله كنوزها الطبيعية التي حباها الله بها اذ كان ولا يزال قاعدة هذا الإرث التاريخي الأصيل ومن هذا المنطلق استحقت عدة ألقابٍ وحققت عدة إنجازاتٍ عالميةٍ منها تسجيلها في شبكة المدن المبدعة في العالم وادراج واحتها في قائمة التراث العالمي وادراج نخلتها في ملفٍ يشمل 14 دولةً تشتهر بزراعة النخيل واعتبار الأحساء مهد النخلة وأول موطنٍ عرفته في كوكب الأرض.
ومنذ أقدم العصور كانت الأحساء من أزهى مناطق الجزيرة العربية حضارةً وأخصبها أرضاً وأغزرها مياهاً وأكثرها خيرات وأقواها صلةً بالأقطار المجاورة للجزيرة يقول الدكتور عبدالله بن علي المبارك يرحمه الله لو تتبعنا أقوال المؤرخين في رسمهم لصورة شرق الجزيرة العربية وتاريخه الحضاري لوقفنا على حقيقتين أولاهما أن هذه المنطقة كانت ملتقىً لكل حضارات الإنسان القديم وثانيهما أنها كانت مبدأً لحضارةٍ عريقةٍ ونقطة انطلاقٍ لشعوبٍ هاجرت منها لتشيد حضاراتٍ في أودية الأنهار وفي الشام وفي الشمال الأفريقي وكثيرٍ من بلاد العالم المعروف قبل الميلاد أما الدكتور عبدالرحيم بن يوسف المبارك المهتم بتاريخ شبه الجزيرة العربية فيؤكد بأن حضارة الأحساء سبقت حضارة بلاد الرافدين وتعود للألف الخامس قبل الميلاد ومن أقدم القبائل العربية التي سكنتها قبائل (تنوخ والأزد وإياد وبكر بن وائل وتميم) وهي من أكبر القبائل في شبه الجزيرة العربية وكذلك قبيلة (عبدالقيس) وهي أول القبائل التي دخلت في الإسلام ويعود الفضل لها في اعتناق سكان هذه البلاد للدين الإسلامي في وقتٍ مبكر فيما يؤكد مؤرخ الاحساء الشيخ عبدالرحمن بن عثمان الملا بأن أهمية الأحساء قديماً من الناحية الاقتصادية وكونها أرضاً خصبة رشَّحها لتكون من أهم مواطن الاستيطان البشري حيث دلت الآثار على أنها من أقدم المناطق التي استوطنها الإنسان لذا سكنتها أمم كثيرة منها قبيلة جاسم وهي من أشهر قبيلة عاد والأجناس السامية والفينيقيون الذين كان لهم دور بارز في الإسهام في صياغة الحضارة الإنسانية وهم أول من وضع الأبجدية التي هي أساس العلم والتعلم وأول من دجَّن الجمل الهجين وشرع الشراع وعرف أسرار الرياح الموسمية وصنع الدبابة وآخر سكناها القبائل العربية وأولها قضاعة وإياد وعبدالقيس وقد تمتعت في الزمن الغابر بنهضةٍ اقتصاديةٍ من أهمها تجارة اللؤلؤ والمسك والمنتجات الزراعية وكانت أسواقها تماثل سوق عكاظ والمجنة وتمثل مهرجاناتٍ أدبيةً وعلميةً وثقافية ومن أهم أنماط الثقافة فيها الأديان ومنها الوثنية والنصرانية واليهودية ولا عيب في وجود ذلك لأن الشرك موجود في كل الأقطار وامتزاج هذه الأديان وتلاقحها أوجد مجتمعاً حضارياً متكاملاً ثقافياً واقتصادياً وتجارياً أما صورة المجتمع عند ظهور الإسلام فهي صورة مشرقة تجلت فيها أبرز ملامح الفكر والتحضر والثقافة حيث دخل أهلها في الإسلام دون قتال مما يدل على نضجهم الحضاري ورقيهم الثقافي والفكري وخير شاهدٍ على ذلك كثرة الشعراء بينهم آنذاك والمدارس التي تدرِّس القراءة والكتابة وكانت ملحقةً بالكنائس وفي الأحساء من عرف الوحدانية قبل ظهور الإسلام وقد أسهم أهلها في الجهاد منذ فجر الإسلام وفي دعم الخزانة الإسلامية الناشئة فأعظم مبلغٍ نقله إليها عبيده بن الجراح كان من هجر واختلفت الروايات في مقداره ما بين 100 إلى 150 ألف وعبيده بن الجراح هو أول من أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بلبس الخاتم عندما رآه مستعملاً في الأحساء.
والأحساء حالياً من أهم المناطق السعودية التي تشتهر بمقوماتها الطبيعية والسياحية والثقافية والتراثية القابلة للاستثمار السياحي فهي غنية بتراثها الطبيعي والثقافي والفكري والمادي وتتمتع بواحات النخيل والنزل الريفية ذات العمارة التقليدية والسياحة العلاجية المتمثلة في عيونها المعدنية والكبريتية المشهورة بفوائدها الصحية والاحساء ذات قيمة حضارية تاريخياً وأثرياً وتراثياً وعلمياً وثقافياً مع طبيعةٍ خلابةٍ ومناخٍ حسن وخصائص جغرافيةٍ متميزة ولها نشاط اقتصادي وزراعي وتجاري وثقافي ضخم فضلاً عن موقعٍ جغرافي استراتيجي يشكل منفذاً لدول الخليج العربي وفوق هذا كله مجتمع مضياف ولطيف وودود ومسالم وبالغ الطيبة والكرم والبشاشة والسماحة.
وبفضل هذه المميزات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره جاء اختيار الأحساء عاصمةً للسياحة العربية لعام 2019م من قبل المجلس الوزاري العربي للسياحة بعد استيفائها كافة الشروط المرجعية التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة واعتمدها مجلس وزراء السياحة العرب وهذا الاختيار يؤكد مكانتها التاريخية والثقافية والسياحية ويعزز عوائدها السياحية وأطلقت المنظمة العربية للسياحة لهذه المناسبة احتفاليةً بعنوان (يوم السياحة العربي) في جبل القارة تحت شعار "السياحة والتنمية المستدامة" بالتزامن مع مولد الرحالة العربي ابن بطوطة ويوم السياحة العربي من أهم مفاهيم الصناعة السياحية وأعمق أنواعها ويمثل السياحة البديلة والمسئولة لجعل الصناعة السياحية ضمن تنميةٍ مستدامةٍ ذات تأثيراتٍ إيجابيةٍ في خدمة التنمية المحلية وشهدت الأحساء طوال هذا العام العديد من الفعاليات التي خدمت تتويجها وأبرزتها عالمياً.
كما شرفَت واحة الأحساء عام 2018م بتسجيلها في قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو واحتلت الموقع الخامس ضمن المواقع السعودية المدرجة في هذه القائمة وجاء إدراجها في لائحة التراث العالمي في أعقاب الملف المرفوع لمنظمة اليونسكو بعنوان (الأحساء مشهد ثقافي متطور) وقد تم الاحتفال بذلك قُبالة سوق القيصرية الأثري بحضور عددٍ من الأمراء وكبار الشخصيات من المملكة وخارجها.
ونالت الأحساء عضوية شبكة المدن العالمية بمنظمة اليونسكو في مجالَي الحرف اليدوية والفنون الشعبية كأول مدينةٍ خليجية وثالث مدينةٍ عربية وأطلقت عليها هيئة الأمم المتحدة لقب أكثر مدن العالم إبداعاً في تقريرها المعد بمناسبة اليوم العالمي للمدن الموافق 31 أكتوبر 2016م وتستفيد من عضويتها في إبراز امكاناتها الابداعية على المستوى الدولي وتبادل الخبرات والتجارب مع المدن الأخرى وتعزيز الحراك الثقافي في مجال الحرف والفنون وتسويق نفسها سياحياً على المستوى العالمي وزيادة الاهتمام بالحرف والفنون وتطويرها.
وحصل مطار الاحساء على ترخيصٍ لإعتماده مطاراً دولياً بعد تطبيق الإشتراطات والأنظمة حسب المعايير المطلوبة بلائحة الهيئة العامة للطيران المدني واجتيازه لجميع الإختبارات المطلوبة لإعتماده من قبل المنظمة العالمية للطيران المدني كمطارٍ دوليٍ مرخصٍ عالمياً وبذلك ارتفع معدل الزيارات السياحية للاحساء ارتفاعاً ملحوظاً خلال العام الجاري.
وأكد مستثمرون سياحيون أن الأحساء بيئة خصبة للاستثمار في القطاع الحيوي وقد شهدت ارتفاعاً في معدل زياراتها لاسيما مع تفعيل التأشيرة الإلكترونية للسياح القادمين من خارج المملكة وستشهد مزيداً من الإقبال بسبب الشهرة التي اكتسبتها.
ولعل من الأهمية بمكان أن ننوِّه بمرصد الأحساء الحضري الذي أُنشئ لخدمة مجالات التنمية كأول مرصدٍ حضريٍ يتم إنشاؤه في المنطقة الشرقية ويرتبط ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمات التنمية العالمية وشبكات المراصد العالمية حول العالم ويعمل على تحليل البيانات من كافة الجهات الحكومية والخاصة وإنتاج المؤشرات الحضرية التي تعكس نقاط القوة والضعف للأحساء وتوجه محددات التنمية لكافة هذه الجهات وتصوغ خطةً وإستراتيجيةً تعد خارطة طريق للتنمية المستدامة بشموليةٍ وفاعليةٍ وبمشاركة كافة الجهات كما تساعد الباحثين والأكاديميين في الوصول للبيانات والمعلومات بسهولةٍ من خلال قواعد البيانات الأمر الذي من شانه توحيد الجهود وتكاتف كافة الجهات في سبيل رفاهية وراحة قاطني الأحساء خاصة أن هذه المؤشرات تعكس مختلف الجوانب الحضارية اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً وبيئياً.
- 25/11/2024 السلبية تخيّم على مواجهة الرياض والاتفاق
- 25/11/2024 ضمك يتغلب على الخلود بثنائية
- 25/11/2024 رئاسة الشؤون الدينية تدشن الإستراتيجية والهيكل الجديد والهوية والموقع الإلكتروني
- 24/11/2024 أمير منطقة الرياض يفتتح المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع في نسخته الثالثة
- 24/11/2024 الآتي بالصدارة وكل الانديه بعدُه
- 24/11/2024 جمعية المسؤولية المجتمعية تطلق أول بودكاست متخصص لتعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية
- 24/11/2024 توقيع عقد شراكة مجتمعية بين جمعية المتقاعدين بجازان ومركزستيب برو للتأهيل والعلاج الطبيعي
- 24/11/2024 لقبا جديدا في “الكارتنغ” يضيفه عبدالله أيمن كامل إلى إنجازاته
- 24/11/2024 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 24/11/2024 الإدارة العامة للمرور: استخدام الهاتف المحمول (الجوال) أثناء قيادة المركبة يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في منطقة عسير
المقالات > الأحساء تودع لقب عاصمة السياحة العربية وتبقى عاصمةً للحضارة الإنسانية
✍️ - عبداللطيف الوحيمد
الأحساء تودع لقب عاصمة السياحة العربية وتبقى عاصمةً للحضارة الإنسانية
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.albayannews.net/articles/61509/