العديد من القضايا التي تشغل عشاق المقتنيات الأثرية في الأحساء، تلك المحافظة الثرية بمخزونها الثقافي والتراثي، في ظل اتجاه المملكة نحو الاهتمام بالتراث والسياحة، في مقدمة تلك القضايا حديث أصحاب المتاحف الذين فاق عددهم 44 متحفا، عن أهمية ترخيصها من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، إذ لا يتجاوز عدد المرخص منها 14 متحفا. ويظل تحويل المتاحف من عامة إلى نوعية متخصصة، محط جدل وخلاف، بحيث يكون لكل متحف مجال واحد فقط، بهدف تنوع المتاحف الثرية بأنواع وصنوف المقتنيات التراثية الشعبية
واعتبر عضو المجلس البلدي «سابقا» وأحد المهتمين بالسياحة علي السلطان، المتاحف بوابات المدن نحو الثقافة، باعتبارها تحمل الموروث الأصيل عن المجتمعات؛ لأنها تعكس واقع المجتمع أو المنطقة أو الدولة في فترة أو فترات معينة ليطلع عليه الجيل الحالي وأجيال المستقبل، مستطردا: لذا تطور الاهتمام بالمتاحف إلى أن أصبح علما يسمى «علم المتاحف»، وأصبح تؤلف فيه الدوريات والتقارير والكتب والدراسات ويمنح عليها الشهادات العليا
تدخل سريع
ودعا السلطان، إلى الاهتمام بالمتاحف الوطنية لتواكب التطور الذي تشهده متاحف العالم بهدف اجتذاب السائح الأجنبي، موضحا أن التطوير الذي يتضمن إدخال التقنيات الحديثة في طرق العرض والتجهيزات يتكلف مبالغ مالية كبيرة، غالبا تفوق قدرات وإمكانات صاحب المتحف، الأمر الذي يتطلب الدعم المباشر من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. كما طالب الشركات والمؤسسات العملاقة في الدولة بدعم المتاحف باعتبارها منارات ثقافية تحفظ تراث الأجداد، مشيرا إلى أهمية تقديم الدعم المادي لهذه المتاحف من خلال المبادرات وبرامج خدمة المجتمع لنرتقي بهذه المحطات الثقافية التي حفظت لنا تراث الآباء والأجداد، ومنح المتاحف الخاصة تراخيص بفرص استثمارية، من خلال السماح لهم بإقامة بوفيهات وأكشاك للأسر المنتجة وبيع بعض المنتجات الحرفية والمحلية
قال باحث الآثار والمتاحف رئيس وحدة المتاحف في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في محافظة الأحساء بسام الهلال: إن الهيئة رخصت 14 متحفا خاصا في الأحساء، جديرة بالزيارة، نظرا لما تضمه من آلاف القطع التراثية، التي أنفق أصحابها الكثير لاقتنائها، موضحا أن المتحف لم يعد فقط مجرد بيت لحفظ الكنوز التاريخية والتراثية والثقافية، بل أصبح مركزا علميا مهما يسهم في نشر المعرفة والعلوم والتعريف بالتراث الإنساني في جميع المجالات
وسيلة تثقيفية
وقال الهلال: ان الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ترى في المتاحف وسيلة لتنمية الشعور الوطني وتثقيف المجتمع بالتراث الوطني، وما تحويه بلادنا من إرث حضاري
وأشار إلى أن الهيئة تعمل على إنشاء متحف الأحساء الإقليمي، ووقعت عقدا بمبلغ يزيد على 44 مليون ريال مع إحدى المؤسسات الوطنية لتشييد المتحف الذي يقع على طريق الملك عبدالله الدائري الغربي، بجوار منتزه الملك عبدالله البيئي، تبلغ مساحته الإجمالية أكثر من 23 ألف متر مربع، يضم قاعات حول تاريخ السعودية، وما قبل التاريخ، والتاريخ الحديث، والتاريخ الإسلامي، والبيئة، ومعرض الزوار، ومصلى، وصالة لكبار الشخصيات، ومتجرا لبيع الهدايا التذكارية ومطعما، ومكاتب إدارية، مؤكدا أن المتاحف الخاصة تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على التراث الإنساني، فهي خزينة الأمة الثقافية، وذاكرة الأجيال، وسجلها التاريخي الذي تفاخر به بين الأمم
حضارات متعددة
ووصف الهلال الأحساء بأنها «واحة غناء» ليس بنخيلها فقط، بل بتراثها الأصيل وتاريخها العريق الذي يمتد إلى أكثر من 5000 عام، موضحا أنه تعاقبت على أرضها حضارات متعددة، وتضم اليوم كنوزا تراثية وثروة وطنية ثقافية
وشدد الهلال في حديثه على أهمية التخصص في المتاحف الخاصة، لما لها من دور هام في عملية التركيز الثرية في مجال واحد، وإثراء قيمة المعلومات. موضحا أن التخصص يساهم في جمع النوادر من القطع ويمنح الزائر ارتياحا كبيرا والخروج بالفائدة، مطالبا بأهمية وضع لوحات تعريفية لكل ركن لإثراء الزائر بالمعلومات
يعكس «متحف القهوة» الذي أسسه عبدالله إبراهيم الهجرس، أهمية المتاحف الخاصة كواحد من أهم عناصر خريطة السياحة الوطنية، ويتضح معه سبب الاهتمام الكبير الذي أولته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بها كرافد اقتصادي حيوي ومتطور مستمر في النضج سريعا في المملكة يدعم رؤيتها 2030
وروى صاحب المتحف عبدالله الهجرس عن تجربته فقال: كنت أملك متحفا متنوعا في قرية الشقيق «شمال الأحساء»، واستمعت لحديث من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني «سابقا»، أبدى فيه سموه تمنيه أن يرى متاحف نوعية متخصصة في المملكة، فبادرت ببيع متحفي المتنوع وتحويله إلى متحف متخصص عن القهوة منذ عام 2016م، كون إرثنا الثقافي العربي ارتبط بهذا المشروب
وأضاف: إن المتحف يتناول البعد الحضاري والثقافي والاجتماعي للقهوة ودور المملكة في ذلك كله، وسلطت الضوء على أحد أوجه الضيافة العربية عبر سلسلة منظمة من المقتنيات تعود لمئات السنين، وحرصت منذ ولادة فكرة المتحف على أن يجمع بين الجانب الثقافي والعلمي، مشيرا إلى أن محتويات المتحف تضم 700 قطعة من أدوات إعداد القهوة، تم جمعها من دول العالم ومن حضور مزادات عالمية وعبر البحث عن التحف النادرة عبر الدخول على مواقع متخصصة عبر الإنترنت، كما يستعرض المتحف قصة وصول البن إلى مدينة مكة المكرمة
وأشار إلى أن مكة المكرمة شهدت سنة 1490م، ولادة أول مقهى لتجهيز القهوة في العالم، ومنها انتشر إلى بقية دول العالم، معتبرا أن هذا مؤشر كبير على عمق الحضارة في الجزيرة العربية
وقال الهجرس: يوثق المتحف دور ميناء العقير التاريخي في الأحساء في استيراد القهوة وتخزينها ومن ثم تصديرها إلى دول الخليج العربي، موضحا أن المتحف يتناول أيضا بعدا تعليميا حيث يضم مختبرا لإعداد عينات للقهوة بأنواعها بالتنسيق مع زوار المتحف
وأضاف: طموحي المستقبلي أن يضم المتحف مقهى ومتجرا، وأكاديمية للقهوة .