جدي جدتي هل حقاً صغيرتكم لم تراكم ثانيتاً؟ هل رحلتم حقاً أم أني مازلت في حلم رضخ ثقله على قلبي؟ هل تركتم طفلتكم ذات الأثنان والعشرون ربيعًا تبحث عنكم في أنحاء المنزل لتخبركم مافعل بقلبها هذا الحلم الخطير؟ بحثت عنكم طويلاً ولم أجدكم جدي وقفت عند باب غرفتك أنتظرك تعود من المسجد أو من السوق أو من الحمام ولكني انتظرتك ولم تعود في قلبي حكايات عامين حبيسة صدري من اللحظة التي لم تعد تحملك قدماك ياجدي كنت تسمعني بكل حب وتطبطب على قلبي دون أن أتحدث لأنك تعرفني جيدًا جدي منذ أن رحلت وحفيدتك ذات الواحد والعشرون عاماً ضائقة بها الحياة والأرض الكبيرة الواسعة ضاقت عليها بما رحبت أه لو أخبرك ياجدي ماذا حدث بصغيرتك المدللة التي تشبعت بدلالك وحبك وقربك لقد أصبحت تمشي في طريق لا تعرف له بداية من نهاية لقد أصبحت حزينة جدًا تريدك بجانبها فتبحث عنك فما تجد الا سراب طيفك وصور التقطتها لك وذكريات راسخة في مخيلتها مابين حب ورحمة ودلال جدي إنك كنت دائماً الطبيب لقلبي رحلت ولم يعد لقلبي طبيب ولا لروحي دواء جدي وقفنا عندك جميعنا ورفعنا كفوفنا بالدعاء لك طويلاً وكلنا أمل بأن يرفع الله عنك وتعود معنا للمنزل ودعتنا في تلك الليلة بدموعك مانسيت تلك الليلة التي نظرت فيها إلينا فردًا فردًا وننحن نبتسم بأنك استيقضت أخيرًا من غيبوبتك ومانسيت تلك الدموع وأنت تنظر لنا وتسقط دموعك لم أعي وأفهم معنى دموعك في تلك الليلة ولكن فهمت أنها دموع مودع عندما رأيتك في اليوم الذي يليه تحتضر بكيتك كثيرًا ياجدي بتلك اللحظة ولكن لم أستطع رد القدر أبدًا ورحلت عني وبحثت عنك في اليوم التالي في غرفتك التي كانت الملجأ لنا عندما تقسوا علينا الحياة فتلين بابتسامة منك وعندما لم أجدك في أي زاوية ولا ناحية منها أدركت حينها أن ذلك الحلم المزعج حقيقة وأنني لم أكن أحلم وأنك قد رحلت حقاً في يوم إثنين وأخذت معك جزءً أعظم من حياتي وقلبي وتبقى جزء أكملت به باقي حياتي دونك جدي في عامي الثاني والعشرون وفي يوم إثنين أيضاً بعد سبعة أشهر من رحيلك لم تحتمل جدتي فراقك فأرادت اللحاق بك جدي إنك تذكر جيدًا جدتي كيف كانت تحبني وكيف أني أصبحت نسخة مصغرة منها أتحدث بنفس لهجتها تربيت على منهجها ومبدئها جدي تذكر جيدًا كيف كانت تتحمل شقاوة طفولتي وتلاعبني وكأنها في سني تذكر جيدًا كيف علمتني الصلاة وكنت أقلدها أما الأن ياجدي أصبحت عندما أصلي أي فرض تسقط دموعي فأرفع كفي داعية لها عن كل ركعة وكل سورة وكل أية جدي لقد كنت أمسك بيدها لتذهب بي خارج المنزل لألعب في المراجيح التي كانت هدية لنا منك جدي لقد احتضنت حزني جدتي عند رحيلك وصبرتني بقوة إيمانها ووجودها جدي لقد رحلت بنفس طريقة رحيلك ونفس مشهدة لقد وقفنا حولها جميعنا ولم نستطع رد القدر جدي لقد استيقضت أبحث عنها في أنحاء المنزل والغرف فلم أجدها أدركت حينها أن ماحدث ليس حلماً مزعجًا لقد كان واقعاً مؤلم وأن جدتي رحلت حقاً تمنيت لو أني فديتكم بعمري القليل الذي قضيته بين أحضانكم وحبكم ودلالكم ولو أني افتديت بجسدي عن مرضكم تمنيت أنكم تشهدون تخرجي الجامعي وتفرحون لي كما فرحتم لي في سنواتي الماضية جدي وجدتي تركتم صغيرتكم التي ماعرفت في وجودكم سوا الإبتسامة والفرح عند رحيلكم عنها ماعرفت سوا الحزن والبكاء والهموم الطويلة لقد كبرت طفلتكم ماعادت تلك التي عهدتموها تغيرت كثيرًا كسر بها شيء ماعادت تعلم ماهو بكتكم كثيرًا عند مرضكم وكسر قلبها أضعاف ذلك عند رحيلكم جدي جدتي سأشكوا هذه المرة مرارة رحيلكم لأوراقي البائسة وقلمي الذي جف حبره وساح من إثر دموعي المتساقطة جعلتكم في ودائع من لا تضيع عنده الودائع فهذا أخر ماختمت به قولي عندما قبلت جبينكم الطاهر البارد أخر قبلة ورحلتم من دارنا وأظلمت دنيانا من بعدكم إلى لقاء في نعيم سرمدي تنعّمون به وننعم به ويجبر الله به وجع الفراق ويلم الله به هذا الشتات والملتقى جنات عدن بإذن الله في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين حينها ستعود ضحكتنا وستعود جمعتنا وسينتهي ألمنا وكسرنا وحزننا ودموعنا ونعود عائلة مثالية سعيدة كما كنا ولن نخشى كبركم أو مرضكم أو فقدكم لقاء أبدي لا يعقبه فراق بإذن الله.
بقلم حفيدتكم:جواهر علي محمد أبوشنب