في محيط العلاقات الإنسانية الكثير من الصور الجميلة التي تجعل التعامل مع من حولك نوع من الراحة والطمأنينة ولكن يطرأ عليها ما يعكر صفوها من الشوائب التي تجعل هناك عوائق في التعامل فقد تطور وتصل إلى الإنقطاع بين الأصدقاء والأقارب وسببها عدم القدرة على التعامل مع بعض الأمور التي تؤدي إلى الإختلاف .
وأحببت أن أسلط الضوء إلى أمرين وهما قد يكونان مصدر من مصادر الإختلاف والوئام والإتفاق في المجتمع ألا وهي (الإستغفال )و(التغافل).
ما نلاحظه أنها أتفقت في بعض حروفها ونطقها واختلفت في مضمونها ومعناها ، ولذلك يجب أن نعرفها قبل أن نخوض في الحديث عن كل واحد منها .
الإستغفال :هو ترقب الغفلة ( أي غيبة الشيء عنه) واستغلالها بأخذ شيء وفعل شيء ولم يولي للطرف الآخر إهتماماً أو عناية لكونه في قصوره عدم علمه بالشيء .
التغافل : التظاهر بالغفلة أو تعمدها بالسهو وقلة التيقظ والإنتباه .
وبعد تعريف كل واحد منهما يتضح لنا مدى خطورة الاستغفال ومدى نبل المتغافل ، وما أجده الآن إلا أن أوجه رسالتي لكل واحد منهما .
أيها المستغفِل :-
أخي الفاضل ما وضعته لك عنواناً في تعاملك هو نوع من الكذب والخيانة والإستغلال بل من الممكن أن يدخلك في باب من أبواب النفاق حيث أنك تظهر خلاف الواقع وقد ظننت أنك تمارس الإستذكاء على الجميع دون أن يدرك أحد من حولك وهذا أعظم صورة من صور الغباء .
كن منطقي وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك ، فلن ترضى أن يمارس معك أحد نفس أسلوبك.
اسمح لي أن أقول أنك وصلت إلى مرحلة تجردت فيها من إحساسك بالغير ومن هم حولك .
ماذا تريد من الذي استغفلته أن يتصرف معك ؟
- أن يحرجك.
- أو يواجهك بأخطائك . إن الذي أمامك يراك بعيني قلبه واستسهلت بما تفعله
ولكن عندما يرى ما تمارسه بعيني عقله ينكر هذا الشيء ولكن تحكمه أخلاقه وطيبته لن يتجرد منها لأجلك .
اسأل نفسك سؤال وكن منصفاً في إجابته
س/ هل أنت على صواب في كل ماتفعله من استغفال واستغلال الصداقة مع الآخرين؟
إنك ما تمارسه إرضاء لأهداف وأهواء ومصالح لحظية أوعلى المدى الطويل ولكن بنيت على باطل وكذب .
نصيحتي لك :
عندما تستغفلني لاتتوقع إنني لا أعلم ولكن أعطيك فرصة لكي تعدل أخطائك ولا تخسرني بسبب استغلالك .
أيها المتغافل : إن هذه الصفة فيك من صفات النبلاء ولنا في قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجته حفصه رضي الله عنها وذلك في قوله تعالى (عرف بعضه وأعرض عن بعض ) لم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته بكل ما قالت بل أخبرها ببعضه وأعرض عن بعضه ولم يعاتبها عليه لحسن خلقه وكريم نفسه .
وقد حث عليه السلف الصالح يقول الإمام أحمد بن حنبل :(تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل )ويقول الحسن البصري:( مازال التغافل من فعل الكرام ).
ولما للتغافل من أهمية عند العرب والشعراء وأوردها أبو تمام بأنه سيد القوم : ليس الغبي بسيد قومه ***
ولكن سيد قومه المتغابي وما وجه الشاعر به أن هناك فرق بين أن تقصد الغفلة وبين الغباء فالأول محمود والثاني مذموم .
أخي الكريم : بينت لك مما سبق لما للتغافل من أثر حسن على كل من حولك ولكن يجب أن تعلم من الذي نتغافل عنهم والذي لا نتغافل عنه .
الذي نتغافل عنهم : أهل الإنصاف والمبادرين إلى الإيثار والذين حث عليهم أهل الفضل أن نعاملهم بالمروءة والتسامح والتغاضي .
ولنعلم ماوقع منهم أنه بغير قصد منهم أولأمر صنعوه لم يكن لهم علم بماسيبنى عليه فقد تكون حاجتهم أكثر وضروتهم أشد حين وقوعه فهولاء التغافل معهم محموداً، ولاتكثر عدك أخطاء من هم حولك يجعل منهم النفور ويزداد العتب بين الاصدقاء .
يقول بشار ابن برد :
إذا كُنتَ في كُلِّ الأمورِ مُعاتِباً -- صَديقُكَ لَمْ تَلقَ الذى لا تُعاتِبُه
فَعِشْ واحِداً أو صِلْ أخاكَ فإنَّهُ -- مُقارِفُ ذَنبٍ مَرَّةً ومُجانِبُه
إذا أنتَ لَمْ تَشرَبْ مِرارا على القَذى -- ظمئت وأيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
الذين لانتغافل عنهم:
هم اهل الاستئثار والاستغناء والذين يستغلون من حولهم في أكثر الأوقات فهؤلاء تغافلنا عنهم لاتعد مروءة بل ترضيه لهم على التمادي على ذلك الخلق المذموم وتجاهلك لهم تكون عون لهم على فعل السوء .ويجعهلم في البداية استغفال الجميع في صغائر الأمور منتقلين إلى كبائر الأمور ولابد من وضع حدلهم مع جعل فرصه للتوجيه الذي قد يغير من أمرهم إلى الأفضل في المستقبل .
•>وفي الأخير رسالة لك أخي القارئ<•
يخاطبنا الله سبحانه وتعالى في كثير من الآيات (يا أولي الألباب)
أي أصحاب العقول يجب علينا نحكم عقولنا في كثير من المعاملات وأن نكون على يقين تام لماهو حولنا والتفكر والتدبر في نفس الوقت وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا يلدغ المؤمن في جحره مرتين )
يوجهنا الحديث إلى قياس الأمور بأشباهها وعدم استغلال حسن نيتك إلى أبعد حد .
لاتندم أخي القارئ على هؤلاء وليكن مقياسك فيهم ماقاله أبي الطيب المتنبي:
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا.