صناعة الفرق، وتحويل الأزمات والمحن إلى منح، ميدانها المملكة العربية السعودية، وفرسانها هم قادتنا الموفقون، وبينما أخفقت أنظمة عالمية متقدمة في التعاطي مع الوباء العالمي( كورونا –كوفيد19 )، شهد العالم بمنظماته وشعوبه، تفوُّق المملكة في مواجهة الجائحة، والشفافية الحكومية العالية مع الجمهور، والتعاطي الإنساني سواءً مع المصابين، أو المعزولين احترازيًّا، وهم بالآلاف ممن تم إسكانهم وخدمتهم في أرقى المرافق، علاوة على مجانية العلاج للنظامي والمخالف دون محاسبته قانونيًّا، وهي مرحلة لم يصل إليها أحد - كما يظهر - حتى اللحظة.
وإذا كان هذا الإبداع في مواجهة المرض؛ فإن التألق في معالجة آثاره على الناس كان مدهشًا للغاية؛ ما بين تعويضات مالية، وإعفاءات رسومية للأفراد والمؤسسات، ومبادرات وحملات تنادى إليها أمراء المناطق في ربوع البلاد لاستنفار الجمعيات الخيرية والفرق التطوعية وأهالي الخير للإسهام في تخفيف الوطأة المعيشية والصحية عن الجميع، ولاسيما الفقراء في المدن والقرى، ومجاوري الحرمين، وسكان الأحياء العشوائية، وغيرها.
وفي خضم الجهود تبرز بعض الصعوبات، ولعل منها: اختلاط العاملين والمتطوعين مع الجمهور أثناء توزيع المؤن والأغذية والأدوية، وهذا الأمر لايخلو من الخطورة عليهم من انتقال العدوى ممن قد يكون حاملاً للفيروس خلال فترة حضانته، وهو لا يعلم.
فكان لابد من اتخاذ إجراءات أكثر وقائية للمتطوعين، ولعل من أهمها: التوقف المباشر عن تسليم السلات الغذائية والأدوية للأسر، لما في ذلك من تعرض مجموعة كبيرة من الناس للاختلاط بالآخرين، ابتداءً من عمال محلات الجملة التي تؤمن المؤن، وعمال التجهيز والتغليف، وعمال التخزين في المستودعات، والعاملين في الحصر الميداني وبحث الحالة الاجتماعية، ثم المتطوعين في التوصيل والتوزيع للمنازل؛ فهذه العملية الطويلة والمرهقة، يتعرض خلالها العاملون لكمية كبيرة من الخُلطة بالآخرين، وهذا بالفعل أمر خطير وغير موصى به.
وبالتالي فإن من أنجح الحلول – في نظري - لتجاوز المعضلة؛ هو: تزويد الأسر المتضررة من حظر التجول؛ (بكوبونات شرائية شهرية) حسب أفراد الأسرة، يقوم رب الأسرة بشراء احتياجات الأسرة من مركز تموينات الحي، أو البقالة المجاورة له بموجب هذا الكوبون أو السند، وعلى أن يتمكن صاحب البقالة من استبدال الكوبونات المستهلكة، بتعويض نقدي من الجهة الداعمة، والطريقة نفسها يمكن أن تطبق من قبل مقدمي الأدوية والعلاج المجاني، بحيث يتم صرف العلاج من أقرب صيدلية بموجب كرت صحي يمنح للمرضى المزمنين، وعلى أن تستبدل تعويضات العلاج المصروف من قبل الجهة الصحية الداعمة باتفاق مسبق بما يحمي حقوق كافة الأطراف.
إن هذا الإجراء لاتكمن فائدته في حماية العاملين والمستفيدين فحسب؛ بل هو مهم لحفظ ماء وجه الأسرة المتعففة، وفيه مراعاة لخصوصيتها، ومنحها حرية الاختيار وعدم إلزامها بأصناف غذائية معينة، وفيه أيضًا تلبيةٌ لاحتياجاتها الفعلية، ولكل مستفيد ظروفه الغذائية والصحية التي ينبغي احترامها، والهدف في كل الأحوال هو أن نعتني بجودة العطاء، وأن لايكون همنا المفرط بالكم والرقم على حساب الكيف والجودة!
ومن الأمور التي أراها مهمة في الظروف الراهنة، لتلبية الاحتياجات الصحية الطارئة لأهالي الأحياء العشوائية: تخصيص طبيب أو عدة أطباء لكل حي لاستقبال اتصالات الأهالي لتقييم الحالة عن بُعد، ووصف العلاج عبر تطبيق ( الواتس أب ) مثلاً، أو التحويل بوثيقة الكترونية - عند اللزوم - إلى المستشفيات لتلقي العلاج؛ لأن كثيرًا من الأسر لم يعد لديها القدرة على المعالجة بأجر بالمستوصفات الخاصة، بسبب توقف الأعمال، لاسيما وأن هذه الأحياء تحوي العديد من كبار السن، والأيتام والأرامل ممن لاعائل لهم إلا الله ثم الأيدي الكريمة.
إن هذه الدولة المباركة متمرسة ومصانة ومحفوظة بفضل الله عز وجل، ثم بدعوات ملايين الضعفاء الذين اعتاد ولاة أمرنا – حفظهم الله – الإحسان إليهم، والشفقة عليهم، وهل نرزق إلا بضعفائنا..!!