لقد أنعم الله علينا معشر البشر نعماً نعجز عن احصائها أن أردنا ذلك وقد قال تعالى في محكم تنزيله: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة النَّحل، 18.
كان من الواجب علينا دائماً أن نستشعر عظيم ما أنعم الله علينا من نعم وأن نسعى بكل جهدنا إلى شكره وحمده امتناناً وحباً وتقديراً.
وكان من فضل الله علينا أن أنعم علينا ورزقنا من الأسباب ما نستمتع بها بأنعمه، فكان فضل الله علينا عظيماً وقد ذكر الله هذا الفضل فقال: (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) سورة النساء، 113.
وقد أنعم الله علينا في هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين من الخير الكثير ومتعنا بالأمن فلا نخاف ووسع من رزقنا فلا نجوع، قال عز وجل: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). سورة قريش، 4.
لقد ميزنا الله بنعمةٍ لم تكن لأحد غيرنا فقد أرسل الله خاتم رسله صلى الله عليه وسلم منا فكان نبي عربياً ينتمي لنا وننتمي له انطلقت رسالته من هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين، وإن لم تكن لنا نعمة غيرها لكفتنا.
إذا ما عرفنا نعم الله علينا كان واجباً علينا حمده وشكره وقد كان من فضل الله علينا أنه إذا حمدنا وشكرنا أن متعنا بحياة طيبة في الدنيا وأثابنا مغفرة وجنة في الآخرة.
أما عن النعمة الأعظم والهبة الأكبر التي أنعم الله علينا فهي أن جعلنا مسلمين موحدين له وأنقذنا من الكفر والشرك وهي نعمة لا تضاهيها نعمة.
ولقد خلقنا الله واستخلفنا في الأرض لعمارتها ولذلك وجب علينا أن نشكر نعمه وأن فضلنا على غيرنا من المخلوقات وجعل ما في السماوات والأرض مسخر لخدمتنا.
وللحفاظ على النعم أسبابٌ لابد لنا من أن نسعى جاهدين لأن نعمل بها ومن أهم أسباب حفظ ودوام النعم كثرة الشكر والاستغفار.
فقد قال تعالى في أهمية الشكر للحفاظ على النعم وتنميتها: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) سورة إبراهيم، 7.
كما أن الاستغفار من أهم أسباب الحفاظ على النعم ودوامها قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)) سورة نوح.
لا يمكن أن نغفل عن أهمية الدعاء في الحفاظ على النعم ودوامها، فلا بد لنا من التزام الدعاء والمداومة عليه فقد قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة، 186.
من واجبنا كمسلمين أن نلزم كل أسباب الحفاظ على النعم ونحافظ عليها وذلك ليرضى عنا الله أولاً وليمتعنا في هذه النعم أكثر ويبارك لنا فيها ثانياً فرضوان الله قبل كل شيء.
أما عن التأدب مع الله في الحفاظ على نعمه التي أنعم علينا فإنه من الواجب علينا أن نلزم الدعاء وشكر الله وحمده على أنعمه في السراء قبل الضراء فمن عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة.
كان الابتلاء أحد سنن الله في الحياة فقد يبتلي الله عباده بنقص في بعض النعم أو الحرمان من بعضها وذلك ليختبر الله الإنسان أيصبر أم يكفر.
قد يُبتلى الإنسان بنقص في ماله أو بالحرمان من الولد أو بالمرض يصيب صحته فيحرمه من الاستمتاع بلذة الحياة، ومن واجبنا كمسلمين أن نعرف حق الله علينا وأن نشكر مهما كان حالنا.
فأمر المسلم كله خيرٌ كما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد قال: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ) رواه مسلم.
نحن نعيش في هذه الأيام ابتلاءً عظيماً وجب علينا فيه أن نلجأ إلى الله وندعوه حتى يكشف عنا البلاء وينجينا من هذا الوباء.
بسبب الإجراءات الوقائية التي تم اتخاذها لمواجهة هذا الوباء فقد تأثرت الكثير من مناحي الحياة فقد أدى حظر التجول إلى إغلاق المرافق التجارية والذي سبب العديد من الخسائر الاقتصادية وهذا من نقص الأموال الذي علينا أن نصبر عليه.
وجب علينا الالتزام بهذه الإجراءات للحفاظ على أرواحنا وأرواح أمتنا، فالالتزام بالإجراءات الوقائية واجب ديني لا يمكن التهاون فيه ويأثم كل من تهاون في هذا الواجب بخرق هذه الإجراءات.
كما أن الالتزام بهذه الإجراءات واجبٌ وطني لما لها من أهمية في الحفاظ على حياة وأرواح المواطنين وقد شاهدنا عواقب عدم الالتزام في الدول حول العالم وما واجهوه من خسائر كبيرة في الأرواح.
يعتبر طاعة أولياء الأمور في هذه الظروف كغيرها من الظروف واجب ديني ووطني على كل مواطن، حيث يعد من أهم أسباب الحفاظ على النعم التي أنعم الله علينا.
قد لاحظنا في هذا الوقت العصيب الذي يمر به العالم عامة وبلدنا خاصة ما تتخذه الدولة من إجراءات للحفاظ على أرواحنا وحمايتنا وما تقدمه من معونات لعامة الشعب لتعينه على الصبر.
فما علينا إلا أن نكون نعم السند والظهر الحصين لقيادتنا ودولتنا لنتمكن من الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر ما أمكن ذلك بإذن الله.
أخيراً علينا التزام الدعاء والرجوع إلى الله ليرفع عنا هذا الوباء ويحمي شعبنا وبلدنا من كل شر وبلاء، فنسأل الله أن يجعل بلدنا وسائر بلاد المسلمين آمنة مطمئنة.