حدثني أحد الأصدقاء ، وقد بدت أسارير الفرح والغبطة على محاياه ، صمت قليلا ، جول نظره حول المكان كأنه ينتظر عودة شخص قريب إلى نفسه ، نأى به المكان ، أم باعدت بينهما الأسفار ، حدثه قلبه ، أم همست له مشاعره الجياشة بأخبار حلوة ، وكأنها هدهد سليمان الذي غاب قليلا، فأتى بمالم يأتِ به غيره " ولاينبئك مثل خبير ".
فجأة استطرد في حديثه بطلاقة ، حلاوة لسان ، وسحر بيان ، تتخللها نظرات عجب ، والتفاتات تخفي وراءها صورة ذهنية طرية هي أقرب إلى الحقيقة منها إلى الخيال.
فقال : في يوم ما خرجت أنا وأفراد أسرتي إلى فناء منزلي ، وكان ذلك قبيل صلاة المغرب ، مجتمعين في جو مفعم بالفرح والسرور في جو عائلي، أنموذج، بين نكتٍ منتقاه ، وطرف من هواة تجسيد لعب الأدوار ، براعة تصوير ، وحسن إخراج ، ومسرح مزين بالحلوى ، وأنواع المشروبات الساخنة .
في لمح البصر ، فإذا بعصفور صغير، ذو ريش مزخرف بألوانٍ بديعة ، "هذا خلق الله فأروني ما ذا خلق الذين من دونه" . ارتقى بهدوء وكل حرفية كتف أحد أبنائي، ثم بدأ يعبث بمنقاره الصغير في خفة حركة توحي بحسن نيته ، كأنه يقول في دعابة: عطشان ،جائع، أنا ضيفكم ،أين حق الضيافة ؟!
راغ أحد الأبناء دون أن نشعر به فجاء بشعير وماء وقدمه له وهو على كتف أخيه ، فأكل وشرب وهش وبش ، وهنا بدأ يتنقل في حرية مطلقة وفرح عارم عندما أحس بالأمان .
مرة على الكتف الأيمن ، وأخرى على الأيسر ، وثالثة على الأرض ، ثم على السور ، ثم يرجع مرة أخرى ويختار عشوائيا أحد أفراد الأسرة ، ثم ينقل إلى الآخر ،
ياله من عصفور !! لقد أضفى على الجو أنسا ومرحا، بحركاته تلك ، يعبر عن شكره على حسن الاستقبال وكرم الضيافة .
وقبيل آذان العشاء غادر المكان ، كأنه يقول : بدأ الحظر عندكم ، فلا مكان لي الآن ...إلى اللقاء .