في أيام خلت بالغنا كثيراً في كثير من شؤون حياتنا اليومية ، والموسمية، فكم جعلنا الأولوية للكماليات ، فقد طغت على الضروريات والأساسيات ، فكان بندها ينوء به أولوا العصبة من الرجال ، حيث ينفرد بالنصيب الأكبر من مصروفات ميزانية الأسرة .
تسوق مبالغ فيه ، يكاد يكون شبه يومي ، رحلات ،وسفريات طارئة خارجية، وداخلية ، للمصايف ، والدول الأوروبية ؛ للتباهي أمام الجيران، وبقية الرعية .
كلٌّ مُقَلِّد غيره ، دون وعيٍّ ، أو رَوِيَّة ، لا وجهة بعينها يريد ، سائر مع من يسير ، أَمِعَّة تابع ، متمثل قول الشاعر:
وماأنا إلا من غُزَيَّة إن غوت
غويت و إن ترشد غزية أرشد
وعن الزواجات حدث ولا حرج ، مهور مبالغ فيها ، وليلة الفرح تكون في قصر مشيد ، رفيع العماد ، كأن أرضه لجة ، بسعر خيالي ، يُسْتَأْجَرُ لسويعات من ليل ، أو نهار ، وشهر عسل يُقْضَى خارج البلاد ، تذاكره حُجِزَت من قبل الزواج بأشهر ، من حين وقت القران.
وشنط مليئة بالذهب والمجوهرات بمبالغ هائلة من آلاف الريالات .
مسكين ذلك الزوج يئن ويئن من كثرة الديون ، تورق من البنوك ، تقسيط سيارة ، ومكيفات ، متطلبات أثاث ، عقود وكمبيالات ، تُطَوّقُ حول رقبته لبضع سنين متتاليات ، وقد يرزق بأبناء ، ويدخلون المدارس، وهو لم ينتهِ بعد من ديونه المتراكمات .
الحياة عبارة عن سيول جارفة ، لايقاوم قوتها سباح ماهر ، ولا يتصدى لها سد خرساني بطول جبال شاهقة ، وعرض بطون أودية .
فجأة وبدون سابق تحذير ، أو حتى سماع صافرات إنذار ، صرعتنا أزمة مدوية لفحت نيرانها كل بلدان العام دون استثناء .
إنها أزمة عام ٢٠٢٠ جائحة كورونا فقد أهلكت الحرث والنسل ، وعاثت في الأرض أضراراً وفساداً ، أهلكت الصحة ، شلت الحركة ، دمرت الاقتصاد ، سجن من غير أسوار ، حرب من غير مدافع ، طائرات ، قاذفات صواريخ ،ومفتجرات . حرب باردة فارسها وقائدها والمخطط لها فيروس لا يرى بالعين المجردة ، لا من الأحياء ، ولا الجمادات إنها قدرة الله سبحانه وتعالى وقدره .
لكن رغم هذا كله فقد كان لتلك الأزمة دروس عملية ، أغنت عن كل دورات تطوير الذات، وعن أقوى المؤتمرات .
احجمت الأسر عن التسوق ، وأدركت أن بمقدروها الاستغناء عن كثير من الكماليات ، التي كانت تراها قبل الأزمة من أوجب الواجبات ، استطاع الرجال الاستغناء عن صالونات الحلاقة ، وأصبحوا ماهرين ومتفوقين فيها ، وليسوا في حاجة لزيارة صوالين الحلاقة ، وانتظار الساعات ليصلهم الدور .
استغنوا عن المطاعم ، وتفننوا في إعداد أصناف مميزة من الطعام بأقل جهداً ، وأوفر مالاً ، والنساء استغنين عن مصففات الشعر وأرباب المشاغل النسائية والصالونات، وأصبح بمقدورهن التجمل في منازلهن ، فنجحن وتفوقن.
ملاهي الأطفال في فناء البيوت، مسابح ، مراجيح، سيارات شحن ، ودرجات هوائية ، فلا داعي لمدن الألعاب والملاهي في أطراف المدن والمحافظات .
اختزلت مراسم الزواجات الحفلات ،المناسبات، فصارت في البيوت مقتصرة على أهل العروسين فقط ، فقلت التكلفة والمؤونة، لابذخ ولا إسراف .
في أزمة كورونا اختلفت بوصلة التفكير ، ومحق الترف ، وانتعش التوفير ، وأعيدت جدولة بنود ميزانية الأسر من جديد ؛ مُواكِبةً لعصرٍ جديد .
إنه عصر مابعد كورونا .