في مساء كل ليلة أشاهد الأخبار لعل قلبي يسمع خبراً سار.. مذيع النشرة يسأل مراسل الأخبار.. كم مقرًا قُصِف، كم صقراً سقط!! يجيب المراسل بكل فخرٍ و اعتزاز.. يا صديقي لم يسقط أحد بل صعدوا شهداء.. حلقت أرواحهم كالنسور في السماء. بعد أن حرق العدو سنابل القمح، و قَطَّعوا أغصان الزيتون والرمان.. هل أصبحت أرواح الهياثم منسية مهدورة!! أم أنها غدت أرقاماً تعودنا سماعها مرت مرور الكرام!! و إن كان الأمر كذلك فكيف لنا أن سمي ما يحدث أحزان..؟؟ في الجوار، شيخ طاعن في السن يحدث عن الشهادة بلا رياء..عن رحى حدث جلل، سقط فيه شهيد، يسعفه جريح. يكفنه شهيد آخر يصلي عليه جمع من الشهداء.. نسورٌ تحلق لا ترى سوى قبور، في زواياها قناص غادر بِسُمٍّ قاتل في الحنايا يدور، جثث هامدة في الجوانب ملقاة و أخرى متهالكة، منسية لهول ما يحدث يأكلها الدود في الجحور.. كيف أعتذر منك يا ثكلى و ليس لي سوى قلم رجوت الله مراراً أن لا يكون ضعيف الأثر.. و إن كان كذلك فعار علي السمع و البصر..
سألتك يا إلهي يا واحد أحد، يا عالم بالأفراح و النَصَب، يا جبار متفرد بالحكم فوق مستوى البشر، يا عالٍ ترقاه دعواتنا بلا درج، يامن شققت البحر لموسى من ضيقه حتى خرج، أن ترحم الشهداء و تعافي المصاب، سألتك يا حنان يا منان يا صاحب الجنان أن ترعاهم بعدلك الذي لا يضام و ملكك الذي لا يرام، أن تديم عليهم نعمة الأمن و الأمان، و أن لا تحرم عينهم في ليل موحش المنام فلا يطل عليهم عيدٌ آخر و هم بعيدين عن أهلهم و الأحباب..