تقول الأسطورة الإغريقية إن بروكوست كان حداداً يدعو الزوار للمبيت عنده، وكان من كرمه ينزل للضيف عن سريره، ثم بعد هذا إذا وجد أن الضيف أطول من السرير قص ما زاد من قدميه ليجعله على مقاس سريره، وإذا وجد أن الضيف أقصر من سريره بدأ يشده محاولاً جعله على مقاس السرير وهكذا حتى تنخلع قدما. ولو تأملنا في الحياة من حولنا لوجدنا بيننا الكثيرين من أمثال بروكوست، لن يرضيه إلا أن تكون نسخة عنه، عليك أن تقرأ ما يقرأ، وتحب ما يأكل، وتستعذب ما يشرب، وتستمتع بما يفعل، هؤلاء مصابون بقداسة الرأي أو الفكرة، الإختلاف سنة الله في الكون، وقد قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: ما سرني لو أن الصحابة اتفقوا فيما أختلفوا فيه، فقد كان في خلافهم في الفقه رحمة للناس.
الأرض فندق كبير لسنا وحدنا من نعيش فيه، ومن حق الجميع أن يعيش حياته كما يريد، وليس كما نريد نحنا، هناك من يحب شيء، وهناك من يكره، وليس مهمتنا في هذا الكون، إجبار الناس على فعل شيء، أو ترك الآخر، لكن ما هو مطلوب مننا هو إحترام الرأي الآخر، وليس تقديس رأينا، جميل أن تكون على الصح، ولكن ما ليس جميلاً أن تجعل من نفسك مقياس ريختر، ما وافقه كان صحيحاً وما خالفه كان خاطئاً، فسمة هذا الكون الإختلاف، فالأرض تختلف عن السماء، ولو تشابه الناس في كل شيء لصار هذا الكوكب مملاً، فالنقاشات الهادئة وتضارب الآراء لها فوائد، وأهمها أن النبلاء الحقيقين يظهرون في الخصومات، فالنقاش يُظهر ما على اللسان من ألفاظ، وما في القلب مدفون.
وما هو مرفوض جملةً وتفصيلا التعصب السياسي، فقد أبتلانا الله بأصحاب العقول الصغيرة، الذين يقدسون رأيهم على حساب الآخرين، ويعتمدون على مبدأ إذا لم تكن في صفي فأنت ضدي، ويعتبرون أنفسهم الملائكة وغيرهم الجن، ولا يعلمون أن كل حزب بما لديهم فريحون، فهم لا يجيدون إلا مهنة التطبيل لغيرهم، ولا يعلمون أن السياسة عبارة عن مجموعة من الاكاذيب، فالسياسة لا تدخل بين صديقين إلا فرقتهم، والأخ يقتل أخيه لأنه ليس من شيعته، لم يفهموا ثقافة الإختلاف، خالفني لكن لا تقتلني!