أرسل الله عز وجل لكل أمةٍ رسولاً من أنفسهم يبلغهم الرسالة ويهديهم سواء السبيل، ومن من أمة إلا وقد أرسل الله فيهم رسولاً، وقد اختص الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأن أرسله إلى العالمين كافة ولم يختص برسالته أمةً بعينها، بل بُعثَ صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً لكافة الأمم والأزمان اللاحقة، وقد ختم الله ببعثة محمد الرسل لتقيم رسالته الحجة على الناس كافة، فيثاب من آمن ويعذب من كفر، وقد كانت رسالته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
وكان صلى الله عليه وسلم رسول الله المصطفى ونبيه المختار، وكانت بعثته نعمةً من الله بها على عباده المؤمنين، وقد اجتبا الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم على خلقه ورفع منزلته وكرمه، وجعله الله ذا خلق عظيم فمدحه الله عز وجل قائلاً: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقد فضل الله رسوله صلى الله عليه وسلم على كافة رسله وأنبياءه وجعله سيداً على الأنبياء والمرسلين، فكان صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين وأشرفهم مكانةً وأرفعهم منزلةً.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً ومثالاً يحتدا في حسن الخلق والصفات الحميدة، فقد كان صلى الله عليه وسلم صابراً متواضعاً حليماً، وما كان الرسول يتواجد في مكان إلا ونشر فيه البهجة والبسمة، فكان صلى الله عليه وسلم يسلم على الناس ويدعو لهم بالخير والبركة في الدنيا والآخرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحب لأصحابه شديد الحرص على أن يؤمن الناس ليدخلوا الجنة وينجوا من العذاب، وكان من صفاته صلى الله عليه وسلم الكرم، فلم يكن يرد حاجةً لأحد، وقد من الله عز وجل على رسوله بهذه الصفات والعديد من الفضائل التي ميزه الله بها صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء والمرسلين والناس عامة.
وقد خص الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بفضائل لا حصر لها، وإنما تدل هذه الفضائل التي خصه الله بها على علو قدره ومكانته عند ربه جل وعلا، فهو صلى الله عليه وسلم سيد بني آدم وسيد المرسلين، وقد كان من فضائله صلى الله عليه وسلم:
1. جعل الله عز وجل طاعة رسوله من طاعته وعصيانه من عصيانه، وقد أمر الله عز وجل باتباعه وجعل من اتباعه سبباً موجباً لحب الله فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يحببكم الله).
2. كانت رسالته رحمة للعاملين ولم تقتصر بعثته على بني آدم فقط بل شملت كافة المخلوقات على وجه الأرض من إنس وجن وحيوان.
3. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نوراً، وقد وصفه الله عز وجل بذلك فقال: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)، فكان الرسول نور يضيء للعالمين طريق الحق والهداية.
4. غُفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، وكان قلبه طاهراً لا يشوبه دنس أو كفر وأورثه الله الحكمة ورفع ذكره بين الناس إلى يوم الدين.
5. جعله الله شهيداً على الناس يشهد عليهم يوم القيامة، وفي ذلك إعلاءٌ لمكانته صلى الله عليه وسلم، كما أرسله الله عز وجل بشيراً لأهل الحق ونذيراً للكافرين، فقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا).
6. اتصف خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بالرحمة والود والملاطفة، وقد خصه الله عز وجل عن غيره من الأنبياء والرسل في ندائه بـ (يا أيها الرسول) و(يا أيها النبي).
7. اقسم الله عز وجل في القرآن برسالة النبي وقد بارك البلد الذي هو فيه وشرفه على سائر البلاد، قال تعالي: (لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا البلد)، وقد وعد الله عز وجل رسوله بأن يعطيه ويرضيه فقال: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ ربك فترضى).
8. رفع الله قدر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أخذ من الأنبياء جميعاً ميثاقاً بأن يتبعوه ويؤمنوا به فقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)
وقد بلغ صلى الله عليه وسلم منتهى الأخلاق فقد أدبه ربه وجعل من أخلاقه أرفع الأخلاق وأكرمها، فقد كان رسول الله قبل بعثته الصادق الأمين، وقد كان بعد الإسلام رفيع الخلق على أحسن ما تكون الفطرة السليمة، وقد كان صلى الله عليه وسلم كريماً شجاعاً يجتهد في العبادة ولا تفتر عزيمته، كما كان يحث على حسن الخلق ومكارم الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لِأُتمِّم صالح الأخلاق)، كما قال حاثاً أصحابه على التزام حسن الخلق: (اتَّقِ اللَّه حيثُ ما كنت، وأتبع السَّيِّئة الحسنة تمحها، وخالق النَّاس بخلقٍ حسنٍ)، وقد قال أنس بن كالك واصفاً حسن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنُ الناسِ خُلُقًا)، كما قالت صفية بنت حيي: (ما رأيت أحدًا أحسنَ خلُقًا من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه خير مثالٍ وقدوة للتعامل مع الأعداء، فلم يكن يسعى إلى الانتقام والثأر منهم، بل كان يرجوا لهم الهداية، فقد كان شديد الحرص في دعوته أن يؤمن الناس جميعاً وكان لا ييأس من دعوة أعداءه على الرغم من اعتدائهم على اتباعه المؤمنين، وكان رفيقاً بهم فها هو عندما نزل عليه ملك الجبال فقال له أطبق عليهم الأخشبين فرفض وقال عسى الله أن يخرج منهم من يؤمن بالله ويوحده، كما لم يمنعه صلى الله عليه وسلم إيذاء الكافرين له ولاتباعه عن العفو والصفح عنهم يوم فتح مكة، فقد خاطبهم فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، كما عفا صلى الله عليه وسلم عمن أراد قتله من الكفار ومنهم عمير بن وهب وفضالة بن الملوح ودعا لهم بالهداية.