الصداقة ومجالسة الأصحاب عند العرب لها شأن كبير ولها أهمية في الوجدان العربي خاصة والوجدان البشري عامة وربما يكون العرب أكثر اهتمامًا من غيرهم بالصداقة وبالمجالس والأحاديث وشجونها لطبيعة حياتهم القديمة في الصحراء الموحشة التي يعتبر وجود الصديق فيها ضرورة فهو أنسٌ من وحشة وخلاص من وحدة أيضًا يضاف إلى هذا حب العرب للسمر والكلام وتبادل أحاديث الرجال وهم يعدونها من لذائذ الدنيا ويقول الشاعر:
ولم يبقى من اللذات إلا
محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلًا
فقد صارو أقل من القليل
وللعرب عدد هائل من تجارب الصداقة والأصدقاء على شكل أمثال وأشعار وقصص وحكم هذا ما يدل على أهميتها عندهم فهذا الخليفة معاوية بن أبي سفيان في آخر حياته يقول(لم يبقى لي من لذائذ الدنيا إلا مجالسة الأصحاب فوق كثبان الرمال
وسئل الصحابي عمرو بن العاص مابقي مما تستلذ به فقال: (مجالسة الرجال)
وورد في كتاب نهاية الأدب، أن المأمون قال لوزيره الحسن بن سهل نظرت إلى اللذات كلها فوجدتها مخلوله سوى سبعة
وما السبعة يا أمير المؤمنين
قال:
١-خبز الحنطة
٢-ولحم الغنم
٣-والماء البارد
٤-والثوب الناعم
٥-والرائحة الطيبة
٦-والفراش الوثير
٧-والنظر إلى الحسن من كل شي
فقال الوزير:
فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال قال صدقت وهي أولهن وقد ذهب المتنبي إلى أبعد من ذلك بفلسفته إلا أن أسوأ البلدان من لا يستطيع المرء أن يحصل فيها على صديق
شر البلاد بلاد لا صديق بها وشر ما يكسب الإنسان ما يصم
ولكن السؤال الذي يطرأ دائما على الكثير منا هل يلزمك أن تبحث عن الصديق؟ أم أنها الأيام والأحداث هي من تصنع هذا الصديق؟ وهل صداقات الأمس هي صداقات اليوم؟ ومع تطور وسائل الاتصال هل هذه الصداقة التي تعيشها صداقة حقيقية أم افتراضية قد يقول البعض أنه لايحبذ الإكثار فهو ليس بحاجة إلى أصحاب وأصدقاء إلا أن الإنسان اجتماعي بطبعه هذا أبن المقفع يقول في كتابه الأدب الكبير أعلم أن أخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا هم زينة في الرخاء وعدة في الشدة ومعونةً في المعاش والمعاد فلا تفرطن في اكتسابهم وابتغاء الوصلات والأسباب إليهم
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (لولا إخوة يتخيرون أطايب الكلام كما يتخيرون أطايب الثمر لما أحببت البقاء في الدنيا). ويقول الشافعي: (لولا صحبة الأخيار ومناجاة الحق تعالى بالأسحار ما أحببت البقاء في هذه الدار.).
ويقول أيضاً
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا