في طرقات اللغة وممرات الشعر وجدت نفسي أمام ديوان المتنبي شاعر الفصحى ومشغل الناس بقصائده على مر العصور التقيته في دواوينه وحدثته من أشعاره وقبل أن الج إلى بطاقته التعريفية وكعادته ابتدرني شامخا مفتخرا.
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
واسمعت كلماتي من به صمم
فقلت هون على نفسك فقد. جد من بعدك أقوام قيل فيهم
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
عقود مدح فما أرضى لكم كلم
فانتهض غاضبا وقال:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والرمح والسيف والقرطاس والقلم ابتسمت لأبياته الجميلة والقوية وقلت له لو تعلم أن كل ما افتخرت به لم يعد له أدنى تأثير في عصر الطائرات والصواريخ والأجهزة والهواتف النقالة والسيارات بأنواعها المتعددة فالجم جوادك وأعد سيفك إلى غمده والليل أمسى نهارا لأطفال هذا الزمان، كأني به تدور عينيه من هول ما سمع، استجمع شاعري قواه وعاد من دهشته ليقول:
تفرست بالآفات حتى تركتها
تقول أمات الموت أم ذعر الذعر
هنا كدت أضع يدي على فم قصيدة فلا تحدثني في زماني، عن الموت والذعر هل أحدثك عن طفل من أرضك أرض الشام انتشل مدهوشا من بين الركام أم آخر على بحر ايجة مكببا غريقا يا شاعر الفصحى إن كان الموت في زمانك يملأ ساحة المعركة فإنه في زماننا ملأ القارات الخمس، بدى شاعري أكثر دهشة وأشد حيرة ولكنه عنيد الطبع معتد بنفسه وشاعريته فارتد قائلا
أطاعن خيلا من فوارسها الدهر
وحيدا وما قولي كذا ومعي الصبر هنا شعرت أن شاعري يرسم ملامح النهاية للقاءنا فنحن على مر العصور نطاعن فرسان الدهر من الأعداء الصرحاء والمتلونين من أبناء جلدتنا وهذه الأمة لن تموت ومعها سلاح الصبر ستعود حتما إلى ربها والنصر قادم، وآخر ما همس لي به شاعر الفصحى أنكم أخذتم من دواويني الاعتزاز بالنفس وضيعتم الاعتزاز بلغتكم.