مشهد مهيب ، مرضى منومون، وذو قربى زائرون وأمام غرف العناية المركزة بإحدى المشافي رأوا
أبا منكبا على ميت مسجى، والعيون تذرف دمعا ، والزفرات تملأ المكان ، كصوت حمم بركان ثائر ، لفتت الانتباه، وأثارت كثيراً من التساؤلات حول هذا المشهد الغريب من نوعه .
فجأة سمع الجميع جملة حلت اللغز ، وأسدلت الستار على كل تساؤل محتمل، وإجابة كانت تنتظر بشغف ، جملة خرجت من بين صمت وألم ، من بين حي وميت ، من بين حزن وفراق، من بين ندم وحيرة ، جملة قالها وهو في غير وعي منه ، قالها وهو يتململ من آلام براكين وزلازل بداخله ، انهارت قواه ، وأنشلت فرائسه ، وثقل لسانه ، وكاد الدم يتوقف في أطرافه وبنانه ، فجأة قال- رحمك الله- يا ولدي .
هنا أدرك الجميع ملابسات الموقف ، وانعكست المشاعر ، خيم الحزن على الجميع ، فانهمرت دموع على دموع ، والتقى حزن بأحزان ، تفجرت المشاعر، واختلطت الآلام
" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر ".
بعدها أخذوه إلى خارج المشفى ، ووقفوا بجانبه ، وقاسموه أحزانه وآلامه ، فخف الحمل ، وبدأت تدب الحياة فيه ، وأيقن أن هذا مآل كل حي على وجه الأرض ، قال تعالى :" كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "
وقال تعالى: " كل نفس ذائقة الموت "
وكما قال الشاعر
كل ابن أنثى وإن طالت سلامتك
يوما على آلة حدباء محمول.
فلمثل هذا المشهد، نعد العدة ، ونتزود لتلك الرحلة المؤكدة المنتظرة.