الأب هو مصدر الفخر والاعتزاز لأبنائه مهما علت مراتبهم أو زادت مكاسبهم ولعل هذا الشعور مرتبط بالأسوياء من البشر على حدٍ سواء... كنت ومازلت وسأبقى فخورًا، معتزًا بمآثر والدي رحمه الله ومكانته التي أسسها من حولنا وجعلها باقيةً بعد مغادرته الدنيا بفضل الله وتوفيقه.
ظل والدي رحمه الله سنوات طويلة يحفر القبور ويقوم على تجهيزها ويرافق الجنازة حتى تواري الثرى مع الفقراء والأغنياء يصحب القاصي والداني محتسبًا الأجر والثواب لا ينال أجورًا ولا يقبل هبات من أهالي الأموات.
كتبت عنه سابقًا وأكتب عنه حاليًا وسأكتب عنه لاحقًا فله في حياتي رصيد كبير من العزة والشموخ وطيبة القلب والوفاء مع الآخر وقد أراد الله أن أنال بسبب تلك المناقب والصفات مكانةً مرموقة أثناء مرافقتي له وبعد أن غادر الدنيا إلى جوار ربه.
هنا اخترت "حلم القصر في الجنة" والذي رأته فيما يرى النائم تلك السيدة الفاضلة بأن والدي يمتلك قصرًا في الجنة وأهالي الحي يستأذنوه ويطلبوا منه السماح لهم بدخوله وهو كما كان معهم في الدنيا لا يتنكر لهم في هذا النعيم... ذات مساء زارت أمي في منزلنا العمة " نبيَّه" رحمها الله وغفر لها - وكانت من السيدات الفاضلات - وشاهدتها والدتي حين زيارتها مسرورة وفرِحةً مستبشرة وهي تقول لأمي يشهد الله بأنني رأيت فيما يرى النائم قصرًا كبيرًا، ضخمًا، فخمًا في وسط الجنة وعندما سألت عن صاحب هذا القصر قالوا لي بأنه لوالدكم " زرير" الذي يحفر القبور ويجهز اللحود للأموات في الدنيا.. كانت تحكي تلك الرؤيا بأحاديث ملؤها السعادة بمشاعر صادقة لذلك الجار ولعائلته ودموعها تسبق كلماتها ورددت على مسامع والدتي أمنية إنسانية بأن تكون عونًا له في حياته ليستمر في هذا العمل التطوعي لأنها وأسرتها كافة وأهالي الأحياء المجاورة يفاخرون به وبما يقدمه لوجه الله تعالى.
هذا الحلم ومافيه من رؤيا إن صحت التسمية كان بالنسبة لوالدي رحمه الله بشارة خير فمن حدَّثت به بعد رؤيته هي سيدة فاضلة ومن أسرةٍ كريمة عرفناهم أهل خيرٍ وصلاح لذلك زاد حرصه رحمه الله على العمل التطوعي في حفر القبور حتى وافته المنية ولقي ربه وكانت لحظات وداعه قبل دفنه وأثناء جنازته وفي أيام العزاء بالنسبة لأمي الغالية وأسرتنا كافة مليئة بالفخر والاعتزاز على الرغم من الحزن لفراقه وبمقدار الألم الذي اعتصرنا كنا نعتز بكثرة المشيعين لجنازته وكل من يذكره بالخير ويمجد عمله في المقابر.
نسأل الله تعالى أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته وجميع موتى المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وأن يجعل ماقدم في موازين حسناته.