الفساد كلمة عامة تشمل كل عمل غير نزيه يتم به استجلاب مال بدون وجه حق أو تحقيق مصلحة فيها جور وظلم كما يشمل سوء الأفعال و الأعمال معنويا و قيميا.
والفساد آفة هرمت بسببها دول و سقطت من أثرها أخرى، و أنواعه كثيرة منها الفساد الاخلاقي و الاجتماعي، و السياسي والتعليمي وغيره فكل عمل خارج نطاق الصواب و الحلال هو فساد يضرب أسس المنشآت و الإدارات بل حتى يشمل الفساد الأسرى و المثالب التي تؤدي لسقوط الأسرة و انهيارها.
وهذا العصر شاهد على تفشي الفساد بأساليب و مظاهر عجيبة و موجعة بل قد أصبحت وجوه الفساد تسمى مسميات أخرى تلبسها ثوب الصواب و النزاهة مما نتج عنه لبس في المفاهيم و القناعات و انتشار للقبح والخطأ باعتباره جمالا و صوابا و هنا تكمن الكارثة، فالربا صار فائدة مشروعة و الرشوة باتت هدية لطيفة و الفساد القيمي صار حرية و انطلاقا.
وساد مبدأ ميكافيللي بأن الغاية تبرر الوسيلة ويعد المبدأ البراجماتي الحاضن الروحي للفساد، كما تعد الأنانية و عبادة الهوى و طاعة شهوات المال و السلطة والحرام بأنواعه - تعد الأب الشرعي للفساد العام و الخاص.
أضحت الأرض تشكو من عمومية الفساد و شيوع الخراب في كل اتجاه و لذا كان على كل فرد و كل مجتمع مسؤولية التصدي لهذا التجاوز و هذا مما نادى به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لمحاربة المنكر وإشاعة المعروف.
وأنواع الفساد العديدة و للناظر المتدبر يجد أنها جميعها تنبثق من مصادر منعددة و نفوس مختلفة مابين الأفراد والجماعات لكن جميعها تشترك في صفة عامة واحدة هي سوء المخبر، فلو سألنا أنفسنا : لماذا يسرق السارق و يرتشي المرتشي، ويسرق السارق و يتجاوز الظالم و يأكل هذا حراما و يدمر ذاك إنسانا و يفعل ثالث حراما! ؟
كل ذلك يحدث لأن نفس كل منهم فيها سوء و انحراف، ولهذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصلاح الباطن لا الظاهر فحسب، بل يجب إصلاح المضغة الحاكمة بأمرها و هي القلب لتكون التصرفات و الأقوال سليمة و صائبة، ففساد الجوهر من قلب و نفس وطمس لفطرة الروح هو مايظهر و يطفو على السطح بشكل منبوذ من فساد و قبح.
وفساد المخابر يسوق حتما لفساد المظاهر مهما تحايل الإنسان و ستر.
لهذا كان العلاج الأهم لجميع أنواع الفساد هو تطهير الذات و تصحيح الجوهر و من ثم يطيب تلقائيا ماينضح من الآنية.
ولهذا فدور التربية منذ الولادة محوري لإنتاج جيل غير فاسد لديه تقوى و بصيرة تملأ مخبره حسنا، و العكس بسوء التربية ينشأ جيل قد يظهر فيه فساد مع خواء النفوس و موت الضمير و عدم استشعار معية الله سبحانه.
ويتبع ذلك دور التعليم والإعلام و مايغرسانه لتصحيح المخابر التي تحدد الاخلاقيات والقيم.
ولا شك أن سن القوانين التي تلزم الناس بالحدود و تمنع التجاوز و تردع الفاسدين مهمة لإيقاف مد الفساد الإداري و الاجتماعي بل و الفردي، فإن ماتت البصيرة لدى أحدهم و ساء إعداده تربويا جاء دور العقوبات و التنبيهات و القواعد التي تمنع من شيوع الظلم و الإفساد، وهذه القوانين المدنية و التي تشتق في بلادنا من دستورنا و هو الكتاب و السنة هي التي تؤمن حماية المجتمع وحفظ توازنه عدلا و إنصافا و نجد الآن اتجاها كبيرا من ولاة الأمر لمعاقبة الفاسد و المتجاوز و في هذا عبرة و عظة وفائدة عامة لتحسين المجتمع بمؤسساته و أفراده فمن أراد إساءة الأدب راجع نفسه ألف مرة خوفا من العقوبة .
نسأل الله رشدا و إصلاحا وصفاء بعيدا عن مياه البرك الآسنة فسادا وركودا .
التعليقات 1
1 pings
عزيزة محمد
25/01/2021 في 1:27 م[3] رابط التعليق
مقالة رائعة تستحق القراءة
(0)
(0)